مع انطلاق العدوان الصهيوني على قطاع غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل، وبموازاة الحرب العسكرية التي خاضها، اتخذ الاحتلال إجراءات اقتصادية وميدانية على شكل عقوبات وقيود فاقمت من صعوبة الظروف المعيشية التي يمرّ بها الفلسطينيون.
ومن أمثلة ذلك: تسريح عمال الضفّة الغربية ومنع دخولهم إلى أراضي عام 1948 أو مستوطنات الضفّة، والخصم من أموال المقاصة للسلطة الفلسطينيّة، وفرض قيود على الحركة والتنقل بين محافظات الضفة؛ الأمر الذي أدى لنتائج فورية ومباشرة على "اقتصاد" الفلسطينيين وظروفهم المعيشية.
يبحث هذا المقال في الكيفيّة التي تعاملت بها السلطة الفلسطينيّة، ممثّلة بوزارة الماليّة وسلطة النقد، لمساعدة السكّان والتخفيف من الأعباء المالية التي خلّفتها الحرب عليهم.
الطبيعة الهشّة لـلاقتصاد الفلسطيني
لاعتبارات سياسية تتعلق بالاحتلال أساسا، يعاني "الاقتصاد الفلسطيني" ونظامه المصرفي من مشاكل بنيوية، تجعله أكثر هشاشة أمام الهزّات والصدمات الناجمة عن أية تغيرات وأزمات سياسية أو اقتصادية أو صحية، عطفا على العسكريّة.
إن حقيقة كون النظام الاقتصادي والمصرفي الفلسطيني نظاما غير مكتمل السيادة ولا الصلاحيات ولا المؤسسات، يجعل نقاش سياساته وإجراءاته وحدود قدراته محكوما بهذه المحددات.
ومن ذلك، غياب العملة الوطنية والقدرة على إقرار أسعار فائدة بشكل مستقل، وغياب السيطرة على الموارد الطبيعية والحدود، وكذلك على جزء مهم من موارد الجباية المالية (أموال المقاصة التي يحصّلها الاحتلال)، وغيرها من المحدّدات التي تجعل خطط صانع القرار في الاقتصاد الفلسطيني مقيّدا ومحكوما بمعطيات تحد من قدرته على صياغة وتطبيق خطط وسياسات مستقلة.
لكن، على الرغم من هذه المشاكل البنيوية والمحدّدات إلا أن هامشا بسيطا يبقى متاحا لاتخاذ إجراءات وسياسات تساهم في تطوير وتحسين هيكلة "الاقتصاد الفلسطيني" والتخفيف من أثر الأزمات المختلفة عبر الاستعداد المسبق لها، والتركيز المسبق على القطاعات الإنتاجية ودعمها وتعزيز حصتها في الاقتصاد، وكذلك عبر إنشاء صناديق الدعم والتحوط المستقرة بشكل مسبق.
أزمة الشيكات المرتجعة
فور اندلاع عملية "طوفان الأقصى"، بدأت الآثار المباشرة للعدوان بالظهور على اقتصاد الفلسطينيين ومعاملاتهم المالية. وكان من تمظهرات ذلك؛ تحوّل قرابة الـ200 ألف عامل إلى عاطلين عن العمل، ولو بشكل مؤقت، بعد منع الاحتلال دخولهم إلى أشغالهم في الداخل المحتل، وبالتالي قطع عنهم وعن عائلاتهم مصدر دخلهم الوحيد.
ونتيجة لتأثّر وضع سكّان الضفّة المالي، بدأت أعداد الشيكات المرتجعة مع الوقت بالارتفاع. وقد ارتفعت قيمة الشيكات المرتجعة في الشهر الأول من الحرب بنسبة 49%، مقارنة بالشهر ذاته من العام المنصرم. في حين بلغت نسبة الشيكات المرتجعة من العدد الكلي للشيكات خلال أول 45 يوما من الحرب 22%، بعد أن كانت 9% في الشهر الذي قبل الحرب.
ومن المهم هنا معرفة أن كشف الشيكات وإعادتها، أو التوقف عن سداد دفعات القروض والالتزامات ومحاولة تأجيلها، هو سلوك حمائي تقليدي يقدم عليه الناس مع أي أزمة تظهر حتى قبل أن تتشكل وقائعها وتبعاتها.
ومّما فاقم من الأوضاع الصعبة، هو قرار الاحتلال بخصم حصة قطاع غزة من أموال المقاصة الخاصة بالسلطة الفلسطينية، فرفضت الأخيرة استلامها منقوصة، وهو ما يشكّل تبعات مباشرة على موازنة السلطة محدودة الموارد أصلا؛ فبعد أن كان الموظفون العموميون يتقاضون رواتبهم بنسب تتراوح بين 80%-90%، فإنهم تقاضوا في الشهر الأول من الحرب راتبهم بنسبة 50%.
إجراءات السلطة
وفي إجراءات مشابهة لإجراءاتها وقت أزمة جائحة "كورونا"، عمدت السلطة الفلسطينية -عبر وزارة المالية وسلطة النقد- لترتيبات مع البنوك يتم بموجبها تأجيل أو إعادة جدولة دفعات القروض المترتبة على رواتب الموظفين العموميين، مع إتاحة إمكانية الحصول على سلف أو تمويلات محدودة لتغطية الالتزامات ودفعات القروض.
بطبيعة الحال، يترتّب على ذلك فوائد إضافية على الموظفين، وهو ما قد يسبب مزيدا من الضغوط الاقتصادية عليهم في المدى المتوسط والبعيد إذا ما طالت الأزمة.
كما أعلنت سلطة النقد الفلسطينية عن إنشاء صندوق "استدامة بلس " بقيمة 500 مليون شيكل، كصندوق طوارئ لتقديم تسهيلات "مخفضة الفوائد" للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي عانت ومن المتوقع أن تعاني من آثار الأزمة الحالية وتراجع الدورة الاقتصادية والمالية، بحيث يمكنها من خلال تسهيلات هذا الصندوق تغطية التزاماتها الطارئة والاستمرار في العمل.