لا داعي للسؤال، فبديهيٌّ أن منظّمة التحرير وحدَها الممثّل الشرعي للفلسطينيين، ورئيس لجنتها التنفيذية، وهو رئيس دولة فلسطين، من ينطق باسمهم في الأمم المتّحدة ومنظّمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية. ويصعَد أعضاء اللجنة التنفيذية إلى مواقعهم، بحسب اعتبارات وتوازنات، وتعبيرا عن أوزان الفصائل في المجلس الوطني الفلسطيني المشكّل بالانتخاب المباشر وغير المباشر، من أعضاء يمثلون، إلى جانب هذه الفصائل، اتحاداتٍ وهيئاتٍ ونقاباتٍ وروابط وتجمّعاتٍ ومجالس جاليات و... ومن صلاحيات هذا المجلس، وهو بمثابة برلمان عموم الفلسطينيين في الوطن وكل الشتات، أن يُصادِق على قرارات اللجنة التنفيذية أو يرفضها، وإذا تعذّر اجتماعٌ له في هذا الخصوص، ينعقد المجلس المركزي، وهو مجلسٌ وطنيٌّ مصغّر إلى حدّ ما، قد يعدّ صلةً وُسطى بين البرلمان واللجنة التنفيذية. وبذلك كله، لا تعدّ منظّمة التحرير ممثّل الفلسطينيين الذي ينطق باسمهم في المؤسّسات الدولية والإقليمية فقط، وإنما أيضا هي "الائتلاف" الوطني الجامع لهم الذي يعبّر عن تنوّعهم وتعدّد أماكن وجودهم، سيّما وأنها تشتمل على عدّة دوائر، منها التي يتعلق عملُها باللاجئين، وثمّة المعنيّة بالثقافة والفنون، وأخرى اسمُها الدائرة السياسية، مهمّتها إحاطة العالم بالمواقف السياسية التي يُجمع الفلسطينيون عليها، تعلّقت بهم أو بغيرهم ... ولمّا كان هذا معلوما، لا يصيرُ للسؤال في عنوان هذه السطور أيُّ معنى
ولكن خللا عظيما، ساطعا، وخَطَرا عظيما وساطعا مثله، يجعلان هذا الكلام عتيقا ركيكا، أو فارغا إذا شئت: الأول أن منظّمة التحرير المُتحدّث عنها بالكيفيّة الموضَحة ميّتة، تماما في كثيرٍ من متْنها، وسريريّا في حوافّها، وإن وضعوا اسمها أعلى من اسم السلطة الفلسطينية على وزاراتٍ وهيئاتٍ ومؤسّساتٍ تتبع الأخيرة في رام الله وعموم المحافظات. وإنْ أنيطت بالمنظّمة عملية التفاوض مع إسرائيل في الشؤون الكبرى، فيتولّى كبير المفاوضين (عقديْن وأكثر؟) الراحل صائب عريقات، مسؤوليّة هذا الملفّ. أما الخَطَر فإنه التعاطي الحادث مع منظّمة التحرير عِجْلا مقدّسا، ليس لأحدٍ أن يقترب من مساءلة واحديّة تمثيلها الشعب الفلسطيني وشرعيّتها، فهذا محظورٌ أو محرّمٌ أو بيْن بيْن. يجوز لك أن تتسلّى بخُرّافية إحياء منظّمة التحرير، عندما تنعقد جولات حوارٍ ومصالحةٍ في الجزائر والدوحة والقاهرة وبيروت واسطنبول (وصنعاء إبّان علي عبدالله صالح). أما أن تسأل ما إذا كان، حقّا، محمود عبّاس رئيس الفلسطينيين، وهو يطلُب في الأمم المتحدة لهم الحماية كما التي تحتاجها الحيوانات، فهذا خدشٌ في الشرعية، يُخشى أن يُحسَبَ نزوعا إلى انشقاقيّةٍ ما، سيّما إذا كنتَ في فصيلٍ ما في دمشق، أو إخوانيّا في "حماس"
ليست القصّة ما سيكون عليه اليوم التالي في قطاع غزّة، فهذه لها وقتُها، إنما الأشدّ إلحاحا الحال الذي عليه الفلسطينيون في اليوم الراهن، وفي غضونِه يسألون، عمّن يمثلّهم بالضبط. ... ليست منظّمة التحرير التي تُفاوض بشأن هُدنةٍ أو عدم هدنةٍ في قطاع غزّة، ولا هي التي يَسأل الفلسطينيون عنها، في غضون المذبحة المستمرّة، فهي الغائب الأكبر في المشهد، كما محمود عبّاس، الذي يغلط، في ضيافته في رام الله، ماكرون بشكلٍ شائنٍ في المقاومة الفلسطينية، ويمالئ إسرائيل، وينعت "حماس" بالإرهاب، فيبلع رئيسُ منظّمة التحرير لسانه. ... القصّة أن ياسر عرفات أراد إضعاف المنظّمة لصالح رفع مكانة السلطة والحكومة المنبثقة منها، مع استخدامها عند الحاجة، للحديث مثلا في الشرعيّة إيّاها (الصحيحة زمنا طويلا)، ولإبقاء ياسر عبد ربّه أمينا للسرّ في لجنتها التنفيذية منذ خواتيم رئاسة جونسون الولايات المتحدة، حتى إذا جاء عبّاس وريثا منتخبا، جرى الانقسام الجغرافي والسياسي، المُخزي، واعتصم الرجل عن زيارة قطاع غزّة، وأزاح عبد ربّه، وأقال منظّمة التحرير من أي مهمّة محترمة، وأوفد جبريل الرجوب إلى دمشق، ليشبّح في مخيّم اليرموك، وليُمالئ نظام الأسد الذي استضافت سجونُه آلافا من اللاجئين الفلسطينيين (قامت المنظّمة لإعادة كل اللاجئين الفلسطينيين في 1965!)
تقوم الشرعيّات وتقوى. ولكن، يحدُث أن تشيخ، تتقادَم، تتآكل، تهتَرئ، تموت. أكّد المشهد في غزّة (وغيرها) هذا المؤكّد بشأن منظّمة التحرير التي كانت قد استحقّت شرعيّتها مُنجزا وطنيا كبيرا، قبل أن يضغط السؤال، أخيرا، بإلحاح: بربّ الكعبة، من يمثّل الفلسطينيين؟