تنص المادة 112 من الدستور الأردني على إحالة الموازنة العامة لمجلس الامة قبل ابتداء السنة المالية بشهر واحد على الأقل، ما يعني انتهاء مرحلة اعداد الموازنة ومواصلة السير قدماً في مرحلة إقرارها، حيث يتحمل مجلس الامة بشقيه الاعيان والنواب العبء الأساسي في هذه المرحلة بصفته احدى السلطات الثلاث ومكونا اساسياً من مؤسسية الدولة الأردنية.
ومن المهم في هذا السياق أن يتم التعامل مع الموازنة العامة بصفتها خطة مالية واقتصادية واجتماعية متكاملة تؤثر على مجمل الأداء الاقتصادي وعاملا فاعلا في تحقيق التنمية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين وأداة تساهم في تحقيق الأهداف الوطنية وترسخ نهج الإصلاح وتساعد في مواجهة التحديات المحلية والإقليمية.
ولا شك بان جهود إقرار الموازنة ستشهد نقاشات معمقة حول مكوناتها المختلفة وفرضياتها وتداعياتها المحتملة، ما يؤدي الى زيادة الوعي بين المواطنين بالظروف الاقتصادية والتحديات الماثلة أمام الوطن خاصة وان هذه النقاشات سيشارك فيها أيضاً العديد من الجهات ذات العلاقة بما فيها مؤسسات القطاع الخاص وممثلو مجالس اللامركزية.
وهذا بدوره سيؤدي الى تحديد الاحتياجات المحلية للمواطنين وتعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية، الامر الذي يساهم في تشخيص نقاط الضعف ويهيئ المعالجات المسبقة لها، كما يمكن أن يكشف أيضاً جوانب الهدر والتخصيص غير الكفؤ للموارد المالية ويستلزم بالتالي العمل على ترشيد الانفاق ورفع كفاءته وتوجيهه نحو الأولويات، وهذا بمجموعه يرسي دعائم الثقة بين الحكومة والمواطنين مما يرفع مستوى المسؤولية المجتمعية ويعزز جهود الإصلاح بمختلف مكوناته.
ليس من الانصاف أن نعتبر الموازنة العامة مجموعة من الجداول والارقام فهي اوسع وأعمق من ذلك بكثير، اذ انها تعبر عن مجموعة من السياسات والاجراءات والخيارات التي تشمل مختلف جوانب النشاط الاقتصادي للدولة وهي وسيلة مؤثرة لتحقيق العملية التنموية تعكس فلسفة لتطوير الاقتصاد الوطني وتحديد ادوار الجهات الفاعلة بما في ذلك القطاع العام والقطاع الخاص وتعبر ايضاً عن القدرة على مواجهة المتغيرات والمستجدات المستقبلية وهي تلعب دوراً هاماً في تحريك وتعزيز عجلة الدورة الاقتصادية والنشاط الاقتصادي بشكل عام، وتحفيز القطاع الخاص ?لى الانتاج والمبادرة والاضطلاع بدوره التنموي، وتعتبر الموازنة من أهم الوثائق الاقتصادية للدولة التي تترجم سياساتها العامة وأولوياتها وهي ذات اثر كبير على مختلف شرائح المجتمع.
ومن المعلوم أن مجلس الأمة واضافة لوظيفته التشريعية التي تتضمن إقرار التشريعات المختلفة يقوم أيضاً بوظيفة رقابية وفي إطار هذه الوظيفة قد يكون من المناسب مراجعة الفرضيات والتوقعات التي تم الاستناد لها في اعداد موازنة العام الحالي ومدى واقعيتها ومقارنة ذلك بما تحقق من نتائج بهدف استخلاص العبر والدروس التي تتيح تعزيز الأداء المالي خلال السنة القادمة والتأكد من تحقيق الأهداف والنتائج المرجوة.
وهذا يمكن أن يشكل قاعدة لنهج من المراجعة والتقييم تضمن السير قدماً في التعامل مع المصاعب والتحديات التي تواجه المالية العامة ضمن اطار مؤسسي مرن يعزز الإيجابيات ويعالج السلبيات ويبني على ما تحقق من إنجازات.
ولا شك بان رقابة مجلس الامة تلعب دوراً أساسياً في العمل على تنفيذ البرامج والسياسات بفعالية وكفاءة وتساهم في ترسيخ حكم القانون، كما أن الذراع الرقابي المتمثل في ديوان المحاسبة يساعد المجلس في تأدية دور فاعل لتحسين الأداء الاقتصادي وتصويب الأداء المالي.
تأتي موازنة العام القادم في ظل العديد من التحديات المحلية والإقليمية لذلك من المهم أن لا تتحول مناقشات إقرار الموازنة الى موسم خطابي ومطالب ذات صبغة مناطقية، فالمسؤولية الوطنية تستدعي التركيز على البحث عن حلول وإجراءات عملية لمواجهة التحديات ومناقشة قضايا الإصلاح المالي والاقتصادي وسبل النهوض بالاقتصاد الوطني وتحسين أداء القطاع العام وتحقيق الاستفادة المثلى من المصادر المالية المتاحة ورفع كفاءة تحصيل الإيرادات العامةوانتهاج سياسات ذات اثار إيجابية وصولاً الى رفع مستوى معيشة المواطنين وتقديم الخدمات المناسب? لهم والاستفادة من الفرص المتاحة للمضي قدماً في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي.