كانت قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما صعد بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل لالقاء كلمته امام الدورة الـ78 امس الأول الجمعة شبه خالية من مندوبي الدول الأعضاء، وحضور هزيل من المؤيدين، او مشاركة بعض المندوبين لتدوين الكلمة، ومراقبة المتحدث والقاعة اثناء القاء كلمته، بالإضافة لمجموعة من أنصاره حملهم معه ليصفقوا له، كنوع من المواساة لشخصه الفاسد والفاشي والكاذب.
من المسائل المثيرة للانتباه، التي حملها خطابه، وتؤكد حقيقة شخصية رئيس حكومة الترويكا الفاشية كـ"مزور كبير" للحقائق؛ ومحرض ومضلل في آن على الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية؛ ومتنكر كليا لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، حيث لم يظهر أي وجود للدولة الفلسطينية ولو رمزيا، اثناء عرضه لخارطة التطبيع الاستسلامي والشرق الأوسط الحزين والمنكوب به وبدولته وبالولايات المتحدة الأميركية، التي تقود بشكل حثيث ومجنون عربة التطبيع باستخدامها سلاحي العصا والجزرة مع الدول الشقيقة؛ وجزمه بان الفيتو الفلسطيني لم يعد قائما، ولا سيفا على رقاب الدول العربية؛ وادعاؤه بان التطبيع مع السعودية سينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث سيحصل الفلسطينيون على بعض الفتات؛ وافتراؤه على الرئيس أبو مازن بأنه يدعم "الإرهاب"، ويصرف رواتب لأسرى الحرب والحرية باعتبارهم "سجناء امنيين" من وجهة النظر الإسرائيلية الإرهابية. ويعلم نتنياهو انهم رموز الوطنية الفلسطينية، وأسرى حرب ابطال، دافعوا وسيدافعون وغيرهم من الأجيال الجديدة عن روايتهم واهدافهم الوطنية.
وباختصار شديد، ودون استحضار او اقتباس ما جاء في خطاب رئيس الحكومة الاسرائيلية السادسة عشرة، أؤكد أن ما حمله خطابه مناف للحقيقة، ولا يمت لأي جانب من جوانب المصداقية بصلة. فمن يقوم بالإرهاب والتحريض وعمليات القتل والمصادرة والتهويد، هي حكومته ودولته الاجلائية الاحلالية وجيش موتها، وأجهزتها الأمنية وقطعان مستعمريها، والشعب الفلسطيني بكل مكوناته يخضع وعلى مدار الساعة لأبشع اشكال الإرهاب والجريمة الصهيونية المنظمة على مدار خمسة وسبعين عاما بهدف إفراغ الأرض الفلسطينية من أهلها عبر عملية التطهير العرقي والتمييز العنصري والترانسفير.
كما ان العالم يعلم، ان الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية هم وحدهم المتمسكون بخيار السلام على أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وضمان عودة اللاجئين لديارهم وفق القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لأبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وتقرير الصمير للشعب كل الشعب الفلسطيني. وبالتالي الذي رفض ويرفض السلام، هو نتنياهو وزمرته الفاشية خصوصا، وكل النخب القيادية الصهيونية التي لم يمتلك أي من أدعياء "يسارها" الشجاعة ليكون ندا وشريكا للقيادة الفلسطينية لصناعة سلام الشجعان.
ومن يعود لتصريحات نتنياهو وسموتريتش وبن غفير وغانتس ولبيد وليبرمان وغيرهم ممن سبقوهم، سيجد مقولاتهم ومواقفهم التي ترفض من حيث المبدأ وجود دولة فلسطينية ما بين النهر والبحر، وقالها زعيم الليكود قبل شهر ونصف الشهر عندما كرر رفضه لقيام الدولة الفلسطينية الى جانب إسرائيل، ومع تأكيده انه "لن يوافق على أي شيء يهدد أمن إسرائيل" في مقابلة مع وكالة "بلومبرغ" الأميركية، نشرتها وسائل الاعلام الإسرائيلية يوم الاثنين الموافق 7/8/2023. وفي الثلث الأخير من شهر حزيران/ يونيو 2023 اعلن بصراحه كاملة، انه سيجتث فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، وهذا ما بثته فضائية "الجزيرة" القطرية يوم 26/6/2023 في برنامج "ما وراء الخبر".
وعليه، فإن نتنياهو وأقرانه هم الإرهابيون والفاشيون، ومن رفض، ويرفض السلام بالحد الأدنى الممكن، ويريد من الفلسطينيين ان يكونوا مجرد عبيد، و"أداة امنية مأجورة"، كما حلفاؤه من الانقلابيين في غزة. وهذا لن يكون ابدا، كما لن يكون لإسرائيل وجود، ان لم تقم الدولة الفلسطينية، ويعود الفلسطينيون لديارهم ، فالسلام يبدأ من فلسطين، والحرب تبدأ من فلسطين، وتنتهي بانتصار الشعب الفلسطيني.
ويكفي شاهد الاثبات الذي عرضه نتنياهو اثناء القاء كلمته، عندما عرض خارطة الشرق الأوسط المنكوب دون وجود أثر للدولة الفلسطينية، ليؤكد انه وأركان الائتلاف الفاشي يرفضون مجرد تقديم "تنازلات" للشعب الفلسطيني وقيادته السياسية، وليس استقلال دولتهم الموجودة وعاصمتها القدس الشرقية، التي اقرتها قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات المبرمة مع إسرائيل، ودفنها (بيبي) مع توليه اول حكومة في العام 1996. وهذا فضيحة للأمم المتحدة، وتعدٍ صارخ على قراراتها ومنبرها ومواثيقها ومعاهداتها، وكان الأجدر برئاسة الجمعية العامة إيقافه عن اكمال خطابه، والقاء خارطته في سلة المهملات، ولكن خانت الشجاعة رئاسة المنبر الأممي الأهم.
باختصار، رئيس حكومة إسرائيل قلب الحقائق، وجال في عالم الكذب والتضليل لتبرئة الذات، ولكن خانته ذاكرته، لأن العالم بات يعرفه جيدا.