لم يكن مستغربا أن يلبي المعلمون نداء أبناءهم وإخوانهم والوطن ليكونوا في مكانهم الطبيعي بين العقول المتفتحة والقلوب الغضّة والابتسامات البريئة والدفاتر والغرف الصفية بعبقها وألقها . فإذا كان الجيش والأجهزة الأمنية تسيّج الوطن وتحميه من الأعداء لينعم بالأمن والاستقرار ، فان المعلمين هم جيش الداخل يساهمون في بناء الإنسان وتنمية المجتمع وتحصينه بالقيم والأخلاق والطّاقات .
المعلمون كباقي اغلبيه الشعب رضوا بالقليل وتحملوا وصبروا وهم يقبضون على هموم الوطن في المكره قبل المنشط وفي العسر كما اليسر في المغرم والمغنم . عانوا كمعظم الناس وهم يرون دخلهم يتآكل ولا يستطيعون تلبية حاجة أسرهم الأساسية . تحملوا نظرات ذات معنى من المجتمع أحيانا ومن زوجاتهم وأبناءهم مرات ،فعجز الآباء عن تلبية طلبات الأبناء أو بعضها انكسار . يغطّون ذلك بابتسامة تعبّر عن الرضا مرّة آو بتقطيبة جبين وإشاحة وجه هربا من تلاقي العيون مرّة أخرى .
عاشوا كمعظم الناس الذين اختصروا وجبات الطعام ونوعيّة الكساء ، أما رفاهية العيش فهم يعيشونها كأحلام يقظة ، اعتمدوا على ما تنبت الأرض من بقلها وخبيزتها ولوفها وعكوبها ، حظّهم من زينة الحياة الدنيا ، البنون والباقيات الصالحات . أما البنون فهم قاصمة الظهر ، فزمانهم ليس كزماننا ، فتربيتهم وتعليمهم بحاجة إلى ميزانية يعجز عنها أبناء هذه الطبقة .
تحملوا كلّ ذلك وأكثر حامدين شاكرين ، دون منّ أو أذى ، فالوطن يستحق منّا أكثر ويستأهل كل تضحية حتى يبقى حرا عزيزا كريما . فإذا بطفيليات تقتات على ما يوفره هؤلاء وحيتان يسطون على خيراته ، فما جمعته الرياح أخذته الزّوابع .
عتبوا على أقلام وصحف ووسائل إعلام أظهرتهم بما لا يليق بالمربي وحامل رسالة وساهمت في تأليب جزء من الرأي العام الذي كان في غالبيته متفهما ومنصفا . إلاّ أنّنا ننحني احتراما وإجلالا لكتّاب ووسائل إعلام وهم كثر ولله الحمد وقفوا إلى جانب أنفسهم والمجتمع بتبنّيهم قضايا المعلمين والعملية التعليمية فشكرا لكل هؤلاء وشكرا لكل من ساهم في الحلّ وعهدا أن يبقى المعلمون عند حسن ظنّ المجتمع والوطن والقيادة بهم .