في الخطة الخماسية لدولة الكيان الخاصة بالقدس (2024 -2028 ) ،رصدت دولة الكيان 800 مليون شيكل من أجل أسرلة العملية التعليمية في القدس ،وهذا يشكل 1/5 الميزانية البالغة 3 مليار و 200 شيكل، بما يؤكد على مركزية هذه القضية في خطة دولة الكيان، لكونها تركز على اختراق وتفكيك جبهة الوعي والذاكرة الجمعية لشعبنا، اختراق ذاكرة و"كي" و"صهر" و"تطويع" و"تجريف وعي هؤلاء الأطفال والفتيان من الطلاب والشباب الذين أسماهم مؤسس دولة الكيان واول رئيس وزراء لها بن غوريون بالصغار الذين سينسون تاريخهم ويتنكرون لهويتهم وحقوقهم وثقافتهم بمجرد موت كبارهم ...هذا التفكيك يستهدف بالأساس الحقوق والهوية والثقافة والإنتماء والتاريخ والجغرافيا،والأخطر من ذلك الرواية، التي لا يراد فرضها على العملية التعليمية فقط، بل على كامل مسار التاريخ، بانهم هم أصحاب الأرض والحق،ونحن هوامش ودخلاء وطارئين في هذه البلاد،بل ومجرد تجمعات سكانية، لا نشكل شعب،ولعل ما عبر عنه احد قادة الفاشية اليهودية وصاحب هذه الخطة،وزير مالية الكيان سموتريتش في باريس في آذار الماضي، خلال حفل تأبين أقيم هناك لواحد من كادرات حزب الليكود الصهيوني بقوله "أنه لا يوجد هناك شيء اسمه الشعب الفلسطيني،وهذا اختراع عمره أقل من مئة عام" ، من يتبقى منا بعد عمليات الطرد والتهجير والإقتلاع والتطهير العرقي ،هم " فلسطينيون جيدون" يجري دمجهم وتذويبهم في المجتمع والإقتصاد الإسرائيلي ....ولذلك ستكون المعركة على جبهة التعليم والوعي والذاكرة ،معركة شرسة ،وبلدية الكيان ودائرة معارفها ومن يقف خلفها من اجهزة ومؤسسات الكيان.. ستستخدم كل طاقاتها وإمكانياتها وسياساتها وقوانينها وتشريعاتها وادواتها وعلاقاتها واجهزتها، وبإستخدام كل وسائل الترهيب والترغيب التي استخدمتها سابقاً في أكثر من مكان في فلسطين التاريخية، لكي تحقق اهدافها ومشاريعها ومخططاتها ،من أجل أن تنتصر في هذه المعركة التي تعتبرها واحدة من معاركها الإستراتيجية ...وخاصة انه علينا التذكير أنه من بين 17 لجنة عينها الإحتلال للتعامل مع سكان المدينة العرب، هناك 15 منها يقودها ويشرف عليها ضباط امن سابقين، والتعليم في مدينة القدس،تشرف عليه وتراقبه وتتولى المسؤولية عنه ،خمس دوائر ، بلدية الكيان، دائرة المعارف فيها، جهازي الشرطة و" الشاباك" ومكتب رئيس الوزراء ....
ولذلك من يجري تعيينهم من موظفين عرب في مكاتب ودوائر التربية والتعليم ومدراء للمدارس،أو حتى مدرسين،في هذه المرحلة بالذات وعلى وجه التحديد، يجب أن يعملوا على تنفيذ خطط ومشاريع وبرامج دولة الكيان ووزارة معارفها ...ولذلك نحن بدأنا نلحظ ونشاهد بأن هناك مدراء مدارس جرى ويجري تعينيهم قادمون من خلفية امنية، أي أنهم خدموا في جيش الكيان ،أو في أجهزته المدنية المرتبطة بالشرطة والجيش ....والمسألة لن تتوقف عند حد أن بلدية الكيان ودائرة معارفها ومن خلفها حكومة الكيان، سترفض افتتاح أي مدرسة جديدة تقوم ببنائها وإلزام أي مدارس قائمة بتدريس المنهاج التعليمي " الإسرائيلي" ،بل هي ستعمل بشكل مكثف من أجل شطب المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس بشكل كامل ،في هذه المرحلة سيتركز الإستهداف،ليس فقط على المدارس الحكومية التي تشرف عليها بلدية الكيان ودائرة معارفها،بل المدارس الخاصة والأهلية، التي يجري استخدام المال والميزانيات والتراخيص، كسيف مسلط على رقابها،لكي تستجيب لمطالب بلدية الكيان ودائرة معارفها،أو تحرم من الأموال وتسحب تراخيصها،ولعل ما حدث مع المدرسة الإبراهيمية ومدارس الإيمان الخمس في تموز من العام الماضي،عندما أقدمت وزيرة التّعليم الإسرائيلية أنذاك "يفعات ساشا بيطون" ، على سحب رخص التّشغيل الدائمة للمدرسة الإبراهيمية ومدارس الإيمان الخمس، بزعم احتواء مناهجها التدريسية على "تحريض خطير"، على أن يتم منحهم ترخيصًا مؤقتًا لمدة عام، باعتباره مهلة لسحب "كتب التحريض".
الهجمة الآن تشتد على التعليم والمنهاج الفلسطيني في القدس،والإحتلال لسان حاله يقول، ما لم يتحقق في العام الماضي ،سنحاول تحقيقه في العام الحالي ،هذه المرة لن نعتمد فقط على سن قوانين وتشريعات وقرارات وقمع وتنكيل وترهيب وترغيب،بل كما يقول الفاشي سموتريتش ومن معه في الخطة الخماسية للقدس للمستوطنين،عليكم ان تتغلغلوا في الفضاء المقدسي، فالمقدسييين سيكونون مربطين ومحكومين بنظام وملزمين به،وسنعمل على إشغالهم في قضايا جانبية، المهم عليكم أن تستوطنوا سنؤمن لكم الأمن والحماية (120 ) من ميزانية الخطة الخماسية،وكذلك البنى التحتية والمواصلات المتطورة وإقامة المزيد من الجسور والأنفاق وتوسيع الطرق والشوارع وقطار خفيف يسهل حركة مواصلاتكم.
أجهزة مخابرات الكيان وشرطتها أغلقت مكتب التربية والتعليم في القدس في شهر تشرين ثاني/ 2019 ،ورغم أنه يتبع دائرة الأوقاف الإسلامية،والذي يفترض ان يكون مستظلاً بحماية الحكومة الأردنية،لكونها من تشرف على الأوقاف الإسلامية،ولكن صوت المجابهة والمواجهة لهذا القرار لا فلسطينياً ولا أردنياً ولا عربياً لم يكن بالمستوى المطلوب ،ولم يتعد بيانات الشجب والإستنكار،وحتى الفعاليات التي نفذتها قوى شعبية ووطنية في الإحتجاج على هذا القرار المخالف لكل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية، كانت التربية ومؤسساتها غائبة عنها.
اليوم تدخل هذه الحرب مرحلة كسر العظم،ولن تكون مدارس التربية والتعليم الفلسطينية المستظلة بالأوقاف الإسلامية بمنأى عن هذه الهجمة، فمن أغلق مكتب التربية والتعليم،لن يتورع عن إغلاق المدارس التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم الفلسطينية ،تحت حجج وذراع بأنها تربي وتعلم على العنف والتحريض وتشكل خطرا على أمن دولة الكيان .
بلدية الكيان تتوسع في بناء المدارس ورياض الأطفال في كل بلدة وقرية من قرى وبلدات مدينة القدس داخل الجدار العنصري وحتى خارجه،وتشترط لفتحها التدريس وفق المنهاج "الإسرائيلي"،وتستمر في محاربة المدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني حتى المحرف و" المقزم" منه بلا هوادة ، والمجابهة والمواجهة لهذا المخطط والمشروع ، لا تمتلك لا الخطط ولا الأدوات ولا الميزانيات ولا الرؤيا ولا الإستراتيجيات ، هي معارك تجري بالقطاعي ولا يبنى عليها ،سرعان ما يخبو بريقها ويتراجع الزخم والإهتمام بها، وليتقدم الكيان خطوة على طريق خطة الأسرلة الشاملة للعملية التعليمية في القدس ،كما هو الحال في خطة ومشروع تهويد الأقصى.
ثلاث مدارس ستفتتحها بلدية الكيان لهذا العام في القدس ،وفق المنهاج " الإسرائيلي" ،مدرسة "إيليا" الإبتدائية في كفر عقب خارج الجدار،ومدرسة ابداع للفنون الإبتدائية في شعفاط،ومدرسة الصلعة التكنولوجية من الصف التاسع وحتى الثاني عشر، هذه المدارس لجان اولياء الأمور فيها ،أعلنت عن فعاليات إحتجاجية منها الإضراب، وبأنها لن تقبل بتدريس المنهاج "الإسرائيلي" فيها،ولكن لم يجر توافق بشكل عام بين كل المدارس او اتحادات لجان الأمور والقوى والفعاليات والجهاز الرسمي التربية والتعليم الفلسطينية والسلطة،والمنظمة الحاضر الغائب على خطة استراتيجية شاملة لكيفية مواجهة هذا المشروع والمخطط،وحماية مدارس القدس من مخاطر الأسرلة التي تعاني من نقص كبير في الميزانيات وسوء البيئة التعليمية وحتى الأبنية التعليمية ونقص الكوادر التعليمية ،والتي تشهد على ضوء إضرابات المعلمين وتدني رواتب العاملين فيها،هجرة غير مسبوقة لطلبتها ومعلميها الى المدارس الخاصة ومدارس بلدية الكيان الحكومية،هي معركة وحرب شاملة ،خسارتها تعني خسارة ثقيلة على جبهة الوعي والذاكرة والرواية والثقافة والهوية والتاريخ والجغرافيا .
فهل يتنبه من هم منفصلين عن الواقع والغائبين عن الوعي الى خطورة المعركة والحرب المعلنة على العملية التعليمية والمنهاج الفلسطيني في مدينة القدس ..؟؟ أم يستمرون في سباتهم!!!