ومن أبرز مزايا اللجوء إلى مساعدة صندوق النقد الدولي نذكر تقديم دعم مالي فوري للبلدان التي تواجه مشاكل في ميزان مدفوعاتها، مما يساعد في استقرار اقتصاداتها وتجنب الأزمات المالية. وعادةً ما يتطلب الصندوق النقد الدولي من البلدان تنفيذ إصلاحات اقتصادية مقابل الدعم المالي. وتشمل هذه الإصلاحات التقشف المالي، وضبط السياسة النقدية، والإصلاحات الهيكلية، وتحسين الحوكمة. فيمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى استقرار اقتصادي ونمو طويل الأمد.
كما يمكن أن تعزز مشاركة صندوق النقد الدولي البلد من الناحية المالية من المصداقية في عيون المستثمرين والدائنين الدوليين، حيث تشير إلى التزام بسياسات اقتصادية سليمة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاستثمار الأجنبي والوصول إلى أسواق رأس المال الدولية.
علاوة على ذلك، يقدم صندوق النقد الدولي الخبرة الفنية والمشورة في مجالات مثل إدارة السياسة الاقتصادية والرقابة المالية والحوكمة. وهذا يساعد البلدان في بناء قدراتها. ويعتبر صندوق النقد الدولي منتدى للتعاون والتنسيق الاقتصادي الدولي. ويساعد الدول على معالجة التحديات الاقتصادية العالمية بشكل مشترك.
من ناحية أخرى، هناك عدد من السلبيات التي قد تظهر جراء لجوء الدول إلى مساعدة صندوق النقد الدولي من ابرزها أنه عادةً ما تأتي قروض صندوق النقد الدولي مع شروط صارمة ومتطلبات سياسية، مما يمكن أن يكون صعباً سياسياً لتنفيذها. تضمن هذه الشروط غالباً تدابير التقشف، مما قد يؤدي إلى احتجاجات اجتماعية وسياسية. و تعتبر بعض البلدان التدخلات من قبل صندوق النقد الدولي انتهاكاً لسيادتها، حيث يمكن أن تستلزم قرارات يؤثر عليها جهات خارجية. كما و يمكن أن تزيد قروض صندوق النقد الدولي من عبء الدين للبلد، خصوصاً إذا لم تتم إدارة الأموال المستدانة بفعالية.
فيما يتعلق بالاردن، فان علاقته مع صندوق النقد الدولي تعتبر علاقة طويلة ومتجذرة. لقد استعان الأردن بالصندوق في مرات عديدة على مدى العقود الأربعة الماضية للتعامل مع تحديات اقتصادية ومالية متنوعة. فعلى أثر الصدمات الخارجية والداخلية التي تعرض لها الاقتصاد الاردني خلال العقود الأربعة الأخيرة تبنى الأردن برنامجين للتصحيح والأصلاح الاقتصادي الاول خلال الفترة 1989-1993 والثاني خلال الفترة 2012-2016. بشكل عام يمكن القول إن البرنامج الاول نجح بشكل كبير في تحقيق أهدافه وان كان ذلك بمساعدة الكثير من الظروف والتطورات الاقليمية وبعض السياسات المحلية.
أما البرنامج الثاني الذي تم تبنيه عام 2012، فان البيانات تشير الى أنه لم ينجح في معظم النواحي على مستوى الاقتصاد الكلي، وتشير المعطيات الى أنه قد تنتهي أعماله بعد المراجعة السادسة للبرنامج التي تمت في شهر آب 2023 وذلك قبل نهايته الطبيعية في 25 آذار 2024. ومن أهم النواحي التي لم ينجح بها ما يلي: استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي في المملكة عند مستويات 2-2.5% بالمتوسط وهي نسبة تقل عن معدل النمو السكاني (الطبيعي وغير الطبيعي) ومعدل نمو الدين العام الحكومي. وتفاقم مشكلة البطالة من مستويات تقل عن 13% عام 2012 الى متوسط وصل الى 23.5% للسنتين 2021 و 2022. وتحقيق تخفيض هامشي بسيط في نسبة عجز الموازنة العامة الى الناتج. وتفاقم مشكلة الدين العام وخدمة أعبائه، بالارقام المطلقة والنسب المئوية، من مستويات قريبة من 75% عام 2012 الى مستويات تجاوزت 114% عام 2022. كما لم يًحدث برنامج الاصلاح الاقتصادي الحالي تنمية شمولية على مستوى الاقتصاد الكلي وعلى مستوى القطاعات الاقتصادية بشكل فردي.
وقد تكون هذه النتائج بالاضافة الى استمرار تداعيات جائحة كورونا، وتداعيات ارتفاع مستويات الاسعار العالمية، والاوضاع الجيوسياسة في المنطقة، وانعكاسات كافة هذه التطورات على أداء الاقتصاد الأردني، هي التي دفعت الى السير في التفاوض مع الصندوق لاعداد برنامج وطني جديد للاصلاح الاقتصادي، وبالتالي إيقاف البرنامج الحالي قبل موعده.
إن وجود رؤية تحديث اقتصادي وطنية في الأردن أمرٌ إيجابي، حيث يمكن أن توجه السياسات الاقتصادية والاستثمارية نحو تحقيق أهداف تنموية واقتصادية طويلة الأجل. لذا، من الضروري أن تكون هذه الرؤية متوافقة مع البرنامج التصحيحي الذي سيتم وضعه وتنفيذه مع صندوق النقد الدولي. ويجب أن يكون الهدف الرئيسي المشترك بين الرؤية والبرنامج تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي وتعزيز التنمية المستدامة. بالتالي، يجب أن تعطى الأولوية للإصلاحات التي تساعد في تحسين أداء الاقتصاد وزيادة فرص العمل وتعزيز الاستثمار.