أخبار البلد - هي الولايات المتحدة الأميركية التي لا تتغيّر سياساتها العدوانية تجاه القضية الفلسطينية, بتغيّر البطاقة الحِزبية لساكن البيت الأبيض.. جمهورياً كان أم ديمقراطياً. إذ في عهد بوش الإبن «جرّدَ» مجرم الحرب/شارون, حملة «السور الواقي» في 29 آذار/ 2002 وتوقفت في 10 آيار من العام ذاته. أراد شارون باجتياحه كامل الضفة الغربية, دفن اتفاق اوسلو وإهالة التراب على جثّة «العملية السياسية", التي كان «شريك السلام» إسحق رابين (المأسوف عليه في نظر أصحاب أوسلو), قد بدا لهولاء أنه «جاد» في وضع نهاية للصراع, وأنه (لولا إغتياله.. ?ما برّروا), لكانت الدولة الفلسطينية المُستقلة قد تجسّدت وأصبحت تحمل الرقم 194 في الأمم المتحدة. لكن اليمين الصهيوني المُتطرف مُمثّلاً باليهودي «اليَمَني» إيجآل عمير, وضع حداً لحياة رابين في 4/ 11/ 1995 (بعد عامين من توقيع أوسلو برعاية أميركية). ووجدت مجازر شارون حينذاك دعماً أميركياً مفتوحاً لـ"حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها».
وها هي إسرائيل في عهد الديمقراطي/بايدن, تُتوِج سلسلة مجازرها واجتياحاتها في حملة عسكرية ضخمة «مفتوحة الوقت", تحمل الاسم الكودي «المنزل والحديقة", تجد الدعم الأميركي نفسه عبر إعادة بث الأسطوانة المشروخة بـ"حقها في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب الفلسطيني». وإن كانت حصرَته هذه المرة بـ"إرهاب حماس والجهاد الإسلامي", داعية في نفاق مفضوح تفوح منه رائحة التواطؤ إلى «حماية المدنيين».
المشاهد المُفزعة التي تتناقلها الفضائيات على «المُباشِر", تُذكّر الجميع بما كان حدث في النكبة الفلسطينية «الأُمّ", التي كرّست التهجير والتطهير العِرقي والمجازر والتدمير المُمنهج, ما يفضح الضوء الأخضر/الأميركي الذي تلقّاه رئيس الإئتلاف الفاشي العنصري الإستيطاني, الذي يُحكِم قبضته على المشهد في دولة العدو الصهيوني. رغم كل ما قيل عن «مناورات» نتنياهو, الذي يستعِد هذه الأيام لتكرار ما كان فعله مع باراك أوباما, عندما وجّه له صفعة مُدوية, بذهابه إلى الكونغرس لإلقاء خطاب «ناريّ» بدعوة من خصومه (الجمهوريين). كان ه?ف نتنياهو من خطابه ذاك إحباط توجّه أوباما عقد اتفاق نووي مع إيران في إطار ما سُميّ مجموعة (5 +1). وهو ما تم التوصل إليه في 14 تموز 2015 وانسحب منه ترمب في 8 أيار 2018.
نتنياهو الذي جرّد حملة/مجزرة السور الواقي/2 الجارية فصولها الآن في مدينة جنين وخصوصاً في مخيمها المكتظ، يريد –كما جو بايدن- عبر سفك الدم الفلسطيني, تسجيل المزيد من «النقاط» والإنجازات لإنقاذ مستقبله السياسي المهدد من ناحيتين, الأولى: فشله حتى الآن في تمرير تشريعات ما وُصف «الإصلاح القضائي» المتواصلة معارضتها الجماهيرية الواسعة للأسبوع السابع والعشرين, أما الناحية الأخرى فهي تهم الفساد التي تهدد مستقبله السياسي والشخصي, والمُتمثلة في استمرار محاكمته بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.
أول أمس خرج نتنياهو في زهو أمام جمهور يميني متعطّش لدماء الفلسطينيين, بابتسامة عريضة شبيهة بابتسامات مصاصي الدماء وآكلي لحوم البشر، تعليقاً على مجزرة مخيم جنين التي قصفت مروحية صهيونية مسجده المُسمّى مسجد الأنصار، زاعماً أن «المعادلة تغيّرت، ومَن لم يفهم –أضاف- ذلك سابقاً سيفهم في الأيام القادمة. وسنضرِب –واصلَ- الإرهاب في كل مكان»، فيما كان قائد جيش العدو/آفي بلوت يُلخص أهداف المجزرة المفتوحة ضد جنين ومخيمها على النحو التالي 1- بسط سيطرة عملياتية. 2- تحييد «الإرهابيين» واعتقالهم. 3- تدمير البنية التحتية ل?عدو ومُصادرة الوسائل القتالية.
وإذا ما عدنا إلى بيانات العدو منذ قيام الكيان الاستعماري/الاستيطاني على أرض فلسطين حتّى الآن, لتبرير حروبه العدوانية والتوسعية ومجازره واجتياحاته, في أرض فلسطين التاريخية كما ضد دول الجوار العربي, فإن العبارات والمُصطلحات لا تختلف إلا في التواريخ والأمكنة, تماماً كما هي مضامين الأسطوانة الأميركية المشروخة عن دعم أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها ضد «الإرهاب».. ولا تجد واشنطن غضاضة في إضفاء بعض المشاعر الإنسانية (الكاذبة بالطبع) بدعوتها إلى «حماية المدنيين».
في السطر الأخير.. تجد حكومة اليمين الفاشي الاستيطاني نفسها في وضع سياسي ودبلوماسي مريح جداً, نظراً لأن ردود الفعل الإقليمية والدولية، لم تتجاوز حدود إصدار بيانات فاقدة الحرارة والتأثير, تدعو إلى ضبط النفس وعدم تعريض حل الدولتين إلى الخطر. وإن كانت تلك البيانات لا تخلو من إدانات بـ"أشدّ العبارات", يعلم أصحاب القرار في تل أبيب أنها نسخة مُكرّرة عن بيانات كثيرة صدرت في حالات مشابهة وأكثر دموية, دفعَ ويدفع ثمنها الشعب الفلسطيني فيما تتواصل دعوات سلطة الحكم الذاتي في رام الله للمجتمع الدولي لـ"التحرك».