أخبار البلد - على نحو لافت أعلن الرئيس الأُوكراني/زيلنسكي أول أمس/الأحد, أن «العمل بدأ بالفعل في تحقيق تُجريه المحكمة الجنائية الدولية, في تدمير سدّ نوفا كاخوفكا والفيضان الهائل الذي أحدثه». في وقت لم يصدر عن مدعي عام المحكمة/كريم خان, ما يؤكد خبراً كهذا. علماً ان زيلنسكي كان أشار في خطابه أن «ممثلي المحكمة زاروا منطقة خيرسون (حيث يقع السد) في الأيام الأخيرة... كاشفاً النقاب عن أن مكتب المدّعي العام «الأوكراني»، أرسل طلباً في اليوم الأول بعد الكارثة إلى المحكمة الجنائية الدولية, بشأن التحقيق في هذه الكارثة.
ما ذكره زيلنسكي يثير الدهشة ويستدعي طرح المزيد من الأسئلة عن القواعد والبروتوكولات التي تنظم عمل المحكمة الجنائية، خصوصاً ما يتوجّب عليها إطلاع الرأي العام الدولي بالإجراءات التي ستنتهجها في التحقيق, وما إذا كانت قبلت الطلب الأوكراني أم منحت نفسها فرصة لجمع المعلومات ميدانياً؟. وما إذا كان الطلب الأوكراني يستوفي شروط وأسباب قيامها بتحقيق كهذا. ناهيك عن رأيها في موقف الأمم المتحدة نفسها وبخاصّة أمينها العام/غوتيرش الذي «أهملَ» طلباً روسياً للتحقيق في كارثة سد نوفا كاخوفكا, على النحو الذي فعله أيضاً إزاء تفج?ر خَطّيّ نوردستريم, وقبل ذلك إنحياز غوتيرش نفسه للرواية الأوكرانية حول ما وُصِف بـ"مجزرة بوتشا» نيسان/2022.
من هنا تبدو مريبة وباعثة على الشكوك تلك السرعة والحماسة غير المسبوقة التي يبديها مدّعي عام الجنائية الدولية/البريطانيّ المُسلم كريم خان, الذي رشّحته ودعمته ووفّرت له الولايات المتحدة وخصوصاً إسرائيل, الأصوات الكافية للوصول الى موقعه/12 شباط 2021 لمدة تسع سنوات, خلفاً للمدعية العامة السابقة/الغامبِيّة فاتو بنسودا، خاصة في الملف الأوكراني, على عكس البرودة التي تصل حدود التواطؤ في الملف الفلسطيني, وجرائم الحرب التي ترتكبها دولة العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني. وتذرّعه وتذرّع مَن يدعمه خصوصاً في واشنطن ومعظم?دول الاتحاد الأوروبي، بأن إسرائيل (كما الولايات المتحدة) ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية. علماً أن «دولة فلسطين» هي عضو في الجنائية الدولية, فيما أوكرانيا وروسيا هما أيضاً لا تحملان بطاقة عضوية المحكمة الجنائية.
ومع ذلك يمضي كريم خان قدماً بالإستجابة بل الخضوع لضغوط واشنطن والاتحاد الأوروبي, حدّاً وصل به إلى إصدار مذكّرة اعتقال بحق الرئيس الروسي/بوتين, بذريعة تورّط «روسيا» في خطف أطفال أوكرانيين, تم إرسالهم – كما تزعم أوكرانيا ومدعي عام المحكمة الجنائية – إما للتبنّي وإما إلى معسكرات لإعادة التأهيل، فضلاً عن قضية أخرى تم فتح تحقيق فيها من قبل المحكمة الجنائية, وهي استهداف القوات الروسية المُتعمّد للبنى التحتية في أوكرانيا, حيث تدّعي الأخيرة والدول الغربية الداعمة لها ان روسيا ارتكبت جرائم ضد الإنسانية باستهدافها ا?بنى التحتية. روسيا تنفي تُهماً مفبركة كهذه, تقف خلفها دوافع سياسية, وتتهم موسكو بدورها المحكمة الجنائية بأنها «أداة للاستعمار الجديد في أيدي الغرب».
هنا والآن يبدو التساؤل مشروعاً حول هذه السرعة التي يتحرك بها مدعي الجنائية الدولية في شأن تفجير سد نوفا كاخوفكا, خاصّة أن التفجير وقع في اليوم السادس من حزيران الجاري, فيما سارع مُحقّقو المحكمة للوصول الى موقع السد بعد أقل من 72 ساعة. ناهيك ان روسيا نفسها طالبتْ أمين عام الأمم المتحدة بإجراء تحقيق كهذا لكنه أدار ظهره لها، فضلاً عن ان إدارة «بايدن» إتّخذت موقفاً لافتاً, عندما أعلنت انها «لا تتوفّر على أي معلومات حول مَن المسؤول عن تفجير السد».
أيّاً تكن التوصية أو القرار الذي سيتوصل إليه محققو الجنائية الدولية في هذا الشأن, خاصّة في ظل الجدل والتكهّنات والتحليلات وحتى الشائعات حول مَن المستفيد من تفجير السد، فضلاً عن «الفرضيات» حول المسؤول عن كارثة تفجير السد, وتحديداً في غياب أي دلائل مُقنعة وموضوعية يمكن الإستناد عليها لتحميل «روسيا» المسؤولية. رغم أن موسكو الأكثر تضرراً من تفجير كهذا. وليس ثمّة فائدة عسكرية تدعوها إلى ذلك, رغم مزاعم أوكرانيا أن التفجير جاء لإعاقة هجومها المضاد. فإن ما تقوم به الجنائية الدولية وخاصّة المدعي العام/ كريم خان من ?حيّز، إنما يُقوض مكانتها ويثير المزيد من الشكوك حول الدور المشبوه الذي أنيط به, خاصة من دول ليست عضواً فيها وعلى رأسها الولايات المتحدة. التي حاربتها بضراوة وسحبت تأشيرة دخول رئيستها السابقة/بنسودا وقضاتها الكبار إلى الأراضي الأميركية رغم تمتعهم بحصانة دولية.