الشرفاء والمخلصون رجال الدولة وليس الفاسدين
اذا كان من نصيحة يمكن ان يقدمها اردني مخلص لدولته ونظامه السياسي فهي ان يرمي عن اكتافه ومن حوله الى ابعد مسافة ممكنة كل شخص او مجموعة تدور حولها تهم الفساد, واقصد هنا كل من كانت هناك وثائق وقرائن تشير الى فساده, ونترك للقضاء الاردني ان يقول كلمته الفصل بحقه سواء بالإدانة او البراءة.
المرحلة السياسية لا تحتمل ان تحمل الدولة ونظامها السياسي اي اشخاص مهما علا شأنهم وسجلهم من الالقاب, والقرار السياسي الذي يجب ان يكون حازما ومستمرا ومجسدا على الارض هو بأن يدفع كل فاسد ثمن ما فعل, فالدولة اعطته الثقة والصلاحيات والامتيازات القانونية, وواجبه ان يرد التحية بعمل مخلص وانجاز وليس بفساد وتوسيع الثروات, وعندما يخذل دولته وقائده فان عليه ان يدفع الثمن وحده لا ان يكون عبئا على الدولة ونظامها السياسي ويطلب ان تستنزف رصيدها امام الاردنيين بالصمت عن فلان او الدفاع عن علان.
اما ما نقوله احيانا بأن هؤلاء هم رجالات الدولة فان علينا ان نصحح ما نقول لان رجالات الدولة هم الشرفاء الذين حافظوا على امانة المسؤولية, لكن الدولة لا رجال لها من الفاسدين وتجار المراحل والانتهازيين ومحترفي اشاعة اجواء الفساد, ولا يجوز ان نربط الدولة والنظام السياسي بالفاسدين والقول انهم رجالها, فإذا كان هؤلاء هم رجال الاردن فهذه مشكلة كبرى وهم ليسوا إلا مسؤولين خانوا الامانة.
رجال الدولة هم الشهداء والمخلصون وهم عامة الناس الذين يحرصون على مقدرات الدولة, منهم الشرطي الذي لا ينام الليل وهو يطارد عصابة او مهرب مخدرات, والجندي الذي ينام في الخنادق ويتدرب في الصحراء, والطبيب المخلص بعمله ... هؤلاء هم رجال الدولة والنظام وليست طبقة الفساد.
مبادرة لا تنتظر اي تأجيل وقرار سياسي يجب الاستمرار به وهو ان يرمي النظام السياسي كل من تدور حوله الشبهات, وان لا تحمل الدولة عبء حماية اي مسؤول فاسد, فالسفينة تعبر الى بر الامان اذا تخلص ربانها من كل مَن عليه شبهة فساد, وليواجه القضاء الذي من حقه ان يمنح البراءة او يعاقب من تثبت التهمة بحقه, فما هو مهم هو الدولة واستقرارها والنظام السياسي وقوته وهيبته ومكانته, وما كان في نهاية الاسبوع الماضي من اجراءات قضائية بحق احد الكبار خطوة كبيرة يجب ان تنسحب على كل شبيه.
وفي زحمة كل الاسماء التي يتم الحديث عنها من المتهمين بالفساد من اصحاب المواقع والعمل العام هناك حاجة ماسة لنذكر اجيالنا وابناءنا واولئك الذين اصابهم الإحباط وبعض اليأس مما يجري واصبحوا يشعرون ان كل من يشاهدونه فاسد وحرامي في زحمة كل هذا نحتاج ان نذكر الجميع بأن الاردن ليس قوائم سوداء, وصور ابنائه عبر كل العقود لم تكن في سجلات اصحاب السوابق والنصابين والسارقين بل هناك قوائم اخرى لشهداء وجرحى قدموا لبلدهم ارواحهم وصحتهم وعافيتهم, وهم بيننا بذكراهم وتاريخهم وعائلاتهم او بأجسادهم.
نحتاج ان نذكر انفسنا اننا لسنا دولة فاسدة او مجتمعا لم يحكمه الا السارقون وقُطاع الطرق وأكلة اموال الناس والدولة, بل لدينا عشرات القوائم من الاردنيين بمن فيهم من حملوا الالقاب وتولوا المواقع وكانوا رمزا للنزاهة والشرف, وقدموا للاردن كل ما لديهم من جهد وخبرات وبنوا كل ما كان وما نشاهد, وحافظوا على الاردن حتى في اصعب الظروف والمحن.
ومهما كنا حريصين على محاسبة كل فاسد فاننا يجب ان نكون حريصين على إنصاف كل شريف ومخلص وصاحب انجاز, لانه اذا كان هناك فاسد في مؤسسة او جهاز فان هناك المئات والآلاف من المخلصين الشرفاء, فلا يدفعنا غضبنا على الفاسدين ان ننسى الشرفاء الذين كانوا وما زالوا عبر عقود الدولة الاردنية وهم الاغلبية الساحقة من الاردنيين لاننا لا نريد ان نرسم صورة رديئة للاردن بأذهان ابنائه وكأنه وكر للسرقة والنصب وخيانة الامانة.
المعادلة واضحة ومحددة:- ان يدفع كل فاسد ثمن فساده وان ترمي الدولة عن ظهرها كل صاحب موقع ومسؤولية خان الامانة والجزء الآخر ان لا نظلم الشرفاء والمخلصين والشهداء والذين بنوا الاردن وننسى صورهم الزاهية في غمرة صور اهل الفساد.