أقر مجلس النواب قبل أيام مشروع النظام الداخلي المعدل لسنة 2023، وذلك لتتماشى نصوصه وأحكامه مع التعديلات الدستورية لعام 2022 فيما يخص تطوير آليات العمل النيابي وإعادة النظر في القواعد القانونية الناظمة لعمل المجلس النيابي وعلاقته مع السلطة التنفيذية.
وقد جاء إقرار هذه التعديلات على النظام الداخلي متأخرة نسبيا، ذلك أنه قد مر أكثر من عام على نفاذ التعديلات الدستورية الأخيرة، إلا أن مجلس النواب قد اختار التروي والتوسع في المراجعة الشاملة لنصوص نظامه الداخلي لتشمل إعادة النظر في تشكيلة المكتب الدائم فيه، واللجان النيابية من حيث زيادة عددها واختصاصاتها، وإقرار مدونة سلوك نيابية جديدة والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ من النظام الداخلي.
وقد أثارت بعض النصوص القانونية في النظام المعدل جملة من التساؤلات حول دستوريتها ومدى اعتبارها من القواعد الإجرائية التنظيمية لغايات المادة (83) من الدستور، التي تعطي الحق لكل من مجلسي الأعيان والنواب بأن يضعا أنظمة داخلية لضبط وتنظيم إجراءاتهم، على أن تعرض هذه الأنظمة على الملك للتصديق عليها.
ويبقى التساؤل حول الجهة القضائية المختصة التي يمكن أن تبسط رقابتها على توافق النصوص الواردة في النظام الداخلي بحلته المعدلة مع أحكام الدستور، ومدى إمكانية أن ينعقد هذا الاختصاص للمحكمة الدستورية في الرقابة على احترام النظام الداخلي لمجلس النواب لأحكام الدستور.
فمن خلال استعراض المادة (59) من الدستور نجد بأنها قد حصرت اختصاصات المحكمة الدستورية بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وهو النص الذي جرى تكريسه في المادة (4) من قانون المحكمة الدستورية رقم (15) لسنة 2012 وتعديلاته.
في المقابل، فإن الأنظمة الدستورية المقارنة قد أعطت الاختصاص للمحاكم الدستورية بالرقابة على الأنظمة واللوائح الناظمة لعمل المجالس النبابية بنصوص واضحة وصريحة. فالمادة (190) من الدستور الجزائري بحلته المعدلة في عام 2020 تنص صراحة على أن "تفصل المحكمة الدستورية في مطابقة النظام الداخلي لكل من غرفتي البرلمان للدستور قبل المصادقة عليها". كما يقضي الفصل (69) من الدستور المغربي لعام 2011 بالقول "يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت، إلا أنه لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأ?كام هذا الدستور".
وبالعودة إلى النصوص الناظمة لعمل المحكمة الدستورية الأردنية ومدى إمكانية تفسيرها لصالح ثبوت الاختصاص لها بالنظر في دستورية النظام الداخلي لمجلس النواب، فنجد أن كلمة "الأنظمة النافذة" الواردة في المادة (59) من الدستور قد جاءت مطلقة ويمكن أن تشمل الأنظمة الداخلية لمجلسي الأعيان والنواب. فالأصل في تفسير النصوص التشريعية ألا تحمل على غير مقاصدها، وألا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها، أو بما يؤول إلى الالتواء بها عن سياقها.
وقد سبق للمحكمة الدستورية في قرارها رقم (4) لسنة 2014، أن فسرت المقصود "بالأنظمة" التي تراقب عليها بالقول "إن تعبير الأنظمة الذي ورد في المادة (59/1) من الدستور والمادة (4/أ) من قانون المحكمة الدستورية قد جاء عاما مطلقا ليشمل جميع القواعد القانونية العامة المجردة الواردة في الأنظمة دون تمييز، والمطلق يجري على إطلاقه ما لم يرد ما يقيده".
وما يعزز من القول بأن النظام الداخلي لمجلس النواب ليس بعصي على الرقابة الدستورية، أنه قد سبق وأن جرى اخضاع نصوصه وأحكامه للتدقيق في مدى احترامه أحكام الدستور. فقد قضى المجلس العالي لتفسير الدستور في قراره رقم (1) لسنة 2001 بعدم دستورية المادة (65/ب) من النظام الداخلي لمجلس النواب لعام 1996، والتي كانت تقصر حق مجلس الوزراء في استرداد مشروع القانون قبل التصويت على إحالته للجنة المختصة.
فالمجلس العالي لتفسير الدستور (الذي حلت محله المحكمة الدستورية في عام 2012) لم يتردد في بسط رقابته على دستورية النظام الداخلي لمجلس النواب باعتبار أن العلة والغاية من الرقابة الدستورية التي تتمثل بإعمال مبدأ السمو الموضوعي للدستور تتحقق في حالة الأنظمة الداخلية لمجلسي الأمة، والتي تصدر بالاستناد إلى نص صريح في الدستور.
وعليه، فإن مجلس النواب مدعو اليوم إلى التصويت على إحالة نظامه الداخلي بعد التصديق عليه من جلالة الملك ودخوله حيز النفاذ، إلى المحكمة الدستورية لتبت في مدى توافق النصوص المتنازع عليها مع أحكام الدستور.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن التعديلات الدستورية لعام 2022 قد خفّضت من الأكثرية المطلوبة للطعن المباشر بعدم الدستورية من قبل مجلس النواب، بحيث أصبح يشترط موافقة ما لا يقل عن ربع عدد أعضاء المجلس، بعد أن كانت النسبة المطلوبة هي الأغلبية.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com