يخبرني الزميل المغترب لغايات الدراسة، إسلام عثامنة، عن غياب ظاهرة النجوم في الأردن Celebrities، وهي التي تمنح شيئاً من النجومية والمتابعة الزائدة للسياسيين، لأنهم الشخصيات العامة التي تظهرها التركيبة الأردنية المحافظة بطبيعتها، ويذهب في تحليله إلى أن حضور ندوات السياسيين أو التزاحم في مناسبات يحضرون فيها ليس مرده الاهتمام بما يقولونه بقدر ما يمثل رغبة في الاقتراب منهم والحصول على صور معهم تصلح للنشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
في استراحة من الحديث، وبرهة صمت لجأت كما يفعل الكثيرون إلى هاتفي وبدأت أتصفح موقع الفيسبوك، وكان منشغلاً بحادثة عزاء لواحدة من ممثلات الصف الثاني في مصر، وبدأت التعليقات تتحدث عن الحاضرين والمتغيبين، وتنتقد أو تقدر طريقة ظهور البعض، وبصورة تخطف القليل من الاهتمام المجتمعي في موضوع لا يقدم ولا يؤخر عملياً، بمعنى الحصول على فرصة لالتقاط الأنفاس بصورة شبه جمعية، وخاصة في الأوساط غير الفاعلة سياسياً، والتي تمثل، في أي مجتمع، الأغلبية العظمى من الناس.
ما الذي نجنيه من ظاهرة نجومية السياسي واستئثاره بجانب كبير من النجومية، ومن المساحة الإخبارية المتاحة على مواقع الإعلام، وخاصة المواقع الإلكترونية التي في معظمها لم تتمكن من التحول إلى مواقع شعبية، وأصبحت معبرةً عن لعبة التجاذب السياسي بصورة أو بأخرى، لأن إدارتها شخصية ويقوم عليها في الغالب أحد الزملاء المندمجين بدورهم في ظاهرة المناسبات السياسية.
تنتج المناسبات السياسية أو الإعلامية أو البحثية مثل الجلسات التي تقيمها مراكز الدراسات، ووجود السياسيين في الفضاء العام، من خلال مناسبات اجتماعية مثل الزواج والعزاء، فائضاً للنقد في التجربة القائمة، وتوجيهاً يتزامن مع اليد الموضوعة في الماء البارد تجاه الشخص، أياً كان، الذي يقبض على جمر المسؤولية، مع ترسانة من التبريرات أو ببساطة التجاهل، لأسئلة تتعلق بأداء الشخص الذي يقدم النقد عندما كان في موقع المسؤولية.
النخبة المغلقة، أو الصندوق القائم الذي يتحدث عنه كثيرون ويطالبون بالخروج منه، يتمسك أبناؤها بمواقعهم، ولا يريدون الخروج من لعبة الكراسي الموسيقية، ويبحثون عن الفرصة بعد الأخرى، مهما بدت هذه الفرصة ضئيلة وبعيدة، ولذلك يحاولون دفع تدفع الناس إلى أن يقولوا: وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، مع أن الدنيا لم تكن (قمرة وربيع) في أي وقت لظروف كثيرة يتشارك فيها المتحدثون والمستمعون.
أمام فائض النقد الذي يركز على التفاصيل، ويتناسى السياق العام الذي يحدد أصلاً مجال التحرك بجوانبه الإقليمية والدولية والتحولات الكبرى التي تفرض شروطها، فإن المواطن يجد نفسه محاطاً بالسلبية والإحباط، فالتقصير مع التركيز عليه بوصفه جزءاً من اللعبة السياسية مستمر ومتواصل وجذري، ولا يترك أي فرصة لمقارنة الأوضاع تحت فرضيات (ماذا لو؟)، وماذا لو يمكن أن تتعلق بوصولنا إلى حالة اقتصادية مشابهة لما حدث في نهاية الثمانينيات، وبالمناسبة، فإن الظروف التي كانت ستدفعنا لذلك موجودة في العقد الأخير أكثر مما كانت موجودة في ا?ثمانينيات، ومع ذلك فالنتيجة الراهنة أفضل نوعاً ما. لا تلبي الطموحات بكل تأكيد، وتبدو متمسكة بالمحافظة على وتيرة التراجع من غير الوصول إلى الحافة، ولكنها ليست كارثية كما كانت المآلات السابقة في تجربة تغيب عن الذاكرة لأنها لم تدرس إلى اليوم بالصورة المناسبة.
النجومية المحلية للسياسي الأردني تجعله مسؤولاً عن مقولاته وتنظيراته وتفاعلات تصريحاته، وبالمناسبة، فتغيب النجوم في مجالات الحياة الأخرى، الاقتصادية والفكرية والفنية، مسؤولية البيئة السياسية التي تجعل المجتمع بصورة دائمة في حالة توتر ولا تمنحه الاسترخاء اللازم من أجل أن يعيش حياة طبيعية يمكن أن تنتج نجومها بصورة عادية، ومن غير ادعاءات كثيرة، خاصة أن المقارنة مع دول أخرى استطاعت أن تخلق حياة وراء ما هو سياسي واقتصادي ووراء هندسة الخوف والخيبة، تميل بشكل مستمر إلى مصلحة الأردن.