إلى من يهمه الأمر... طريق معان المدورة
طريق يلجأ فيها المسافر إلى الحوقلة والبسملة والاستعاذة بالله من شرّها، وفيها أيضا يُكْثِرُ المغامر أو المسافر على متنها من تلاوة القرآن الكريم، وقراءة دعاء السفر بين كل مضيق ومضيق، وبين كلّ حفرة وأخرى، داعيا المولى القدير أن يهوّن عليه سفره، ويطوي عنه بعده، ويتضرع إلى خالقه بأنه-سبحانه وتعالى- الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، ومن ثم يسترسل في الاستعاذة بالله من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل.
هذه الطريق؛ كثر شاكوها وقلّ شاكروها، وخاصة في منطقة منها تدعى (بطن الغول). وإذا كان الغول بهيئته المخيفة من المستحيلات الثلاث، إلا أنه موجود عندنا في هذه الطريق التي تقنص بين فترة وأخرى أرواح أبنائنا الذين يرتادون هذه الطريق غير الآمنة، كما وتقنص أيضا أرواح الأخوة السعوديين خاصة الذين يسلكونها لقربها من بعض المدن السعودية كتبوك مثلا. فالطريق تقنيّا وفنيّا لا تصلح أن تكون طريقا دولية تربط بين دولتين بسبب ضيقها، واتجاهها الواحد الذي لا يتسع إلى وجود مركبتين معا في بعض أنحائها، ويضاف إلى هذا عدم صيانتها بطريقة أو بمستوى يراعي السلامة المرورية. زد على هذا الخطورة أو عدم الأمان الشخصي فيها وخاصة في الليل. فما بالك أيضا بأخوتنا وفلذات أكبادنا الذين عملهم في مركز حدود المدوّرة مثل نشامى المخابرات العامة والشرطة والجيش والجمارك وغيرهم من المدنيين الذين تقتضي طبيعة عملهم سلوك هذه الطريق التي يجمع على خطورتها وعدم الأمان فيها كلّ ذي لبّ وبصيرة.
ولا أظنّ أنّ حلّ مشكلة هذا الدرب عسيرة إذا كانت النّيات الصافية والإرادة متحققة عند المعنيين بالأمر وتحديدا وزارة الأشغال العامة؛ إن التّعاون بين الوزيرين المعنيين في المملكتين الشقيقتين الأردن والسعودية كفيل بحلّ عقد مسافة قد لا تتجاوز ألـ 100كم. كما أن المبالغ التي يدفعها المسافر أفرادا ومركبات قد تساهم في إعادة بناء هذه الطريق لتصبح على مسربين واسعين بدلا من المسرب اليتيم الحالي، والذي يعاني سوء الحال والمنقلب. ودعني أهمس في أذن أصحاب المعالي المتعاقبين على وزارة الأشغال ما يتردد على ألسنة المواطنين في هذا المجال؛ وهو أنّ أصحاب المعالي لهم عذرهم في تناسيهم وإهمالهم لهذه الطريق بسبب أنهم يسافرون ويتنقلون على بساط الرّيح، أو على متن الخطوط الجويّة، فهم بذلك لا علم لهم بالغول ولا العنقاء ولا الخلّ الوفيّ كمستحيلات تحقق أحدها في طريق معان- المدوّرة.
إنّ سوء المنقلب وكآبة المنظر بين فترة وأخرى واقعان لا محالة إن لم يتدارك أصحاب المعالي بأخذ المبادرة لفكّ طلاسم هذا الدرب؛ حيث تطالعنا أخبار الدفاع المدني بين حين وآخر انقلاب حافة أو انقلاب مركبة راح ضحيته أرواح مواطنين أو أشقاء من السعودية. ونتساءل بحسرة وقلق عن سرّ إهمال هذه الطريق؛ الطريق التي يسلكها على مدار العام المعتمرون والحجّاج إلى بيت الله الحرام، وكذلك العاملون من أبناء الأردن في السعودية الشقيقة، وطلبة العلم أو السائحون من الأخوة السعوديين الذين يرتادون بلدنا للاستجمام والراحة والاستشفاء في صروحنا الطّبّية.
وأخيرا لا يسعنا إلا أن نبتهل إلى الله قائلين: اللهم هوّن علينا سفرنا، واطوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل.
فهل من مستمع منكم يا أصحاب المعالي!