من الواضح أن طهران تتحاشى المواجهة المباشرة مع تل أبيب وتدع حلفاء وأدوات لها يردون، وخاصة الفصائل الفلسطينية التي تحصل على تمويل من إيران، فالمقاومة بالنسبة لهذه الفصائل ترتبط بالتوقيت والحاجة والأجندة الإيرانية أكثر من ارتباطها بحاجة فلسطينية. وبهذا المعنى طهران ترد ولكن عبر الدم الفلسطيني وليس من بين أهدافها الدخول بحرب مع إسرائيل، هي تريد مشاغبة تل أبيب عندما تكون هي بحاجة لذلك وبما لا يقود إلى حرب مباشرة بينهما.
فالسؤال، لماذا تحكم هذه المعادلة العلاقة بين إيران وإسرائيل وتحكم حدود لعبة كل منهما في الصراع على النفوذ في المنطقة العربية؟
تحتاج الإجابة إلى أن نرى أن حربا مباشرة بين إيران وإسرائيل قد تدخل فيها الولايات المتحدة
وقوى عظمى أخرى وبالتالي هو أمر غير مرغوب حصوله للأطراف كافة، وضمن هذا الواقع، ليست هناك مواجهة مباشرة واسعة، ما هو متاح هو إما حروب صغيرة بالنيابة أو ضربات عسكرية محدودة الأهداف لا تحتاج ردات فعل مباشرة وقوية، وهذا هو واقع الحال. المسألة الأهم بالنسبة لإيران هي أن تواصل المحافظة على تمددها في المنطقة العربية مع تفادي مواجهة كبيرة مع إسرائيل قد تفقدها مكاسبها وموقعها الإقليمي المتعزز، فالمغامرة، أي مغامرة يجب أن تكون محسوبة، فإيران لديها قوى محلية يمكن أن تقوم بالمهمات دون أن تتورط هي بالمواجهة.
إسرائيل بدورها مستفيدة جدا من التمدد الإيراني، فهي تقوم باستخدامه كشماعة لتمددها هي، وخاصة في منطقة الخليج الغنية والاستراتيجية، فبدون التلويح بالخطر الإيراني والتهديد الإيراني، لما حققت علاقات التطبيع مع دول المنطقة وعززت انتشارها السياسي والعسكري والأمني في الشرق الأوسط بعد أن كانت لعقود دولة منبوذة ومعزولة. بهذا المعنى فإن هناك تقاطعا للمصالح بين الطرفين، إيران تتمدد في الجسم العربي بحجة أنها تحارب وتردع إسرائيل، والأخيرة تتمدد وتوسع نفوذها بحجة التصدي مع دول عربية للخطر الإيراني وتمدد طهران في المنطقة.
وربما من المهم التذكير هنا بأهداف المشروع الصهيوني التوسعية. ودور إسرائيل الوظيفي في المنطقة في خدمة أهداف وهيمنة الدول الكبرى. كما أن طهران ترى أن مجال تمددها الحيوي هو باتجاه الغرب، في المنطقة العربية الأكثر أهمية استراتيجيا، كما أن إيران التي تشتبك مع إسرائيل عبر أذرعها الفلسطينية والإقليمية قد أوجدت لها نوعا من الدعم في أوساط الجماهير العربية، ما سهل لطهران التمدد عبر ما تتلقاه من دعم في الأوساط العربية.
لقد نجح الطرفان الإسرائيلي والإيراني في الاستفادة من تمدد كليهما كل على طريقته، وبالتالي هما لن يدخلا بحرب مباشرة واسعة لأنها سوف تستنزفهما وربما تقود لفقدان تمددهما وتوسعهما في الحيز العربي.
السؤال كيف يمكن للشعب الفلسطيني أن يحمي قضيته ودمه من الاستخدام في مشاريع ليست فلسطين أولوية حقيقية وجدية فيها؟
ولماذا يسيل دم الشعب الفلسطيني لخدمة أجندات خارجية ويسيل حسب حاجة ومصالح هذا الطرف أو ذاك وليس فيه من مصلحة حقيقية للشعب الفلسطيني، خصوصا في توقيت استخدام التضحيات؟
علينا أن نخوض حربنا نحن مع الاحتلال ومن أجل تحقيق أهدافنا نحن وليس لخدمة أي مشروع ولتحقيق أهداف الآخرين. والقيام بمناوشات مدفوعة الأجر تنتهي حينما تحقق هدف الممول.
ودعونا نتذكر المقولة الوطنية الفلسطينية الأهم "نحن لسنا ورقة في جيب أحد"، ممكن أن نتحالف مع أي طرف دولي أو إقليمي ولكن من دون أن نصبح أداة لتنفيذ أهداف الآخرين.