أحد في العالم لا يعرِف حتى الآن تفاصيل خطة «السلام» الصينية, التي أعلن عن قُرب طرحها كبير الدبلوماسيين الصينيين/وانغ يي, أمام مؤتمر ميونيخ للأمن السبت الماضي. مُتحدثاً في عمومية عن خطوطها العامة عبر التزام بيجين بالسلام. كما تفترِض/الخطة وجوب أخذ مبادئ السيادة وسلامة الأراضي والمخاوِف الأمنِية المشروعة لروسيا.
وإذ تأخرت الصين في طرح الخطة العتيدة، بعد أن راجت شائعات بأن وانغ يي مدير الشؤون الخارجية في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، سيقدمها في موسكو التي كان مُقرَّراً أن تكون محطته الأخيرة في جولته الأوروبية، فقد بات واضحاً أن بلاده منحت لنفسها وقتاً مُستقطعاً، في انتظار ما سيقوله الرئيس الروسي بوتين في خطابه (يوم أمس/الثلاثاء) كذلك في ما سينطوي عليه خطاب الرئيس الأميركي بايدن في وارسو اليوم الأربعاء, لمعرفة ما اذا سيتم إدخال أي تعديلات على الخطة أم تبقى على حالها أو - في أسوأ الظروف - صرف النظر عنها، إذا م? رأت القيادة الصينية أن واشنطن (صاحبة القرار الأول والأخير في قرار استمرار الحرب أو وقفها) ماضية في حرب استنزاف طويلة لروسيا، وهو ما تبدى في الخطاب «التعبوي» الذي ألقاه في احدى كنائس كييف, وقوله: إن «الدعم الأميركي لأوكرانيا يُظهِر أن روسيا لا تملك أي فرصة لكسب الحرب».
من هنا يأتي طرح المبادرة الصينية للسلام في أوكرانيا، كمحاولة في ما يبدو لفرملة الحملة الأميركية الضارية إعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً, التي تشنها عليها الولايات المتحدة ورموز حزب الحرب في الناتو والاتحاد الأوروبي كما بريطانيا لتضاف إلى أزمة «المنطاد» المتدحرجة, خاصة بعد اسقاط الولايات المتحدة منطاداً مُخصصاً للاستخدام المدني و«أبحاث الطقس», على نحو دفع كبير مسؤول في السياسة الخارجية/وانغ يي, إلى وصف اسقاط واشنطن للمنطاد بأنه «هستيري وسخيف»، داعياً إدارة بايدن الى «عدم القيام بمثل هذه الأمور السخيفة لمجرد ص?ف الأنظار عن مشكلاتها الداخلية». ليضاف هذا الملف إلى الملفات المُتراكمة الأخرى التي تُسمم علاقات البلدين كملف تايوان وبحر الصين الجنوبي والتحالفات العسكرية التي أقامتها واشنطن مع أستراليا وبريطانيا (اوكوس) كذلك رباعية «كواد», ودخول اليابان على خط العسكرة, والتحرّش الأميركي الياباني الكوري الجنوبي بكوريا الشمالية, فضلاً عن تدهور علاقات الصين بالفلبين بعد وصول نجل الديكتاتور الفلبيني الراحل ماركوس وفتحه قواعد بلاده الجوية والبحرية لواشنطن.
وإذا كانت واشنطن ورهط حلفائها وأتباعها يواصلون «تحذير» بيجين, بل واتهامها بتقديم دعم عسكري ولوجستي لموسكو في الحرب الأوكرانية، بل هي تستعد – كما تزعم واشنطن – إلى تقديم مساعدات عسكرية «فتاكة» لروسيا، تحت طائلة فرض المزيد من العقوبات والذهاب بعيداً في اعتبار إقدام الصين على خطوة كهذه إنما يأخذ الأمور إلى «حرب عالمية ثالثة» كما قال الرئيس الأوكراني زيلينسكي,فضلاً عن وسائل إعلام أوروبية وبريطانية وأميركية (توماس فريدمان في نيويورك تايمز أول أمس), ما يعني في قراءة أخرى ممارسة المزيد من الضغوط الأميركية/الناتوي? على الصين لـ"تغيير» موقفها الداعم لموسكو سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً (عبر شراء المزيد من النفط والغاز الروسيين). الأمر الذي رفضته بيجين على لسان وانغ يي الذي قال في ميونيخ خلال أول اجتماع له بعد أزمة المنطاد مع نظيره الأميركي/بلينكن: إن بلاده لن تُمرّر أي محاولات أميركية لتهديد العلاقات الروسية الصينية, مُؤكدا لِـ"بلينكن", أن العلاقات الروسية الصينية في مجالات الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، قائمة على سيادة الدولتين والاحترام المتبادل وعدم الانحياز وتجنب المواجهة واستهداف اطراف ثالثة». فيما واصل ?لوزير الأميركي تحذّير بيجين في غطرسة, بأن «أي امدادات صينية لروسيا من شأنها أن تؤدي إلى مشكلة خطيرة»، قائلاً في تصريح لشبكة CBS الاميركية: إنه في حال قدّمت الصين دعماً مادياً لروسيا, أو مساعدة تنطوي على التفاف مَنهجي على العقوبات فستكون لها تداعيات وعواقب».
فهل ثمة فرصة لنجاح مبادرة السلام الصينية؟.
الأمر مرهون بالتوقيت أولاً, وثانياً اسم الشخصية التي ستُقدمها, والكيفية التي سيتم من خلالها هذا الطرح، إذ تروج شائعات أن الرئيس الصيني/ شي جين بينغ هو الذي سيَحملها إلى موسكو في زيارته المُخطط لها أن تتم في الربيع الوشيك. فضلاً عمّا يمكن أن يكون عليه مسرح العمليات الحربية, بعد الهجوم الروسي الشامل الذي يجري الحديث عن قرب البدء فيه. دون إهمال الحملات الإعلامية الغربية والأميركية على وجه الخصوص, التي تُشكك في «نيات الصين» على ما كتب توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية, في أحدث مقالاته عندما قال:?إن الصين تودّ أن تطول الحرب، لأنها تُبقينا (أي الولايات المتحدة), مُستنرفين ونحن نحرِق كل أسلحتنا ومخزوننا العسكري, مُضيفاً في تشكيك واضح بالصين «هذه إشارة سيئة للغاية لتايوان أيضاً».