لقد انتظرت البشرية نصف قرن لتجد كلماتها على لسان تولستوي في «الحرب والسلام»، كلمات خارج دفتر التاريخ الذي سجل لنا بيديه الباردتين ما فعله جنون الحرب والطبيعة على أبواب موسكو.
وهربت أقدام نجنسكي، أشهر راقص باليه في القرن العشرين، من مسرح البولشوي إلى غرفته الباردة ليرسم فيها على دفتر التاريخ الممزق أجساد الأطفال، الذين حرقت أجسادهم نيران الحرب العالمية الأولى. ماذا تستطيع الكلمات فعله أمام هول لا اسم له... هول يعجز العقل أن يعطيه اسماً ينطبق على معناه؟ بماذا ندعوه وهو لا اسم له؟ هل ما يزال أنين الأطفال وهو يخترق التراب المعجون بالدم يسمى أنيناً؟ علينا أن نكتشف تسميات أخرى تدل على معانيها، و«نحدّث» صفاتنا لتنطبق على هذا الشكل المرعب من الموت، ونستنبط تعريفاً آخر لهذا «الإنسان» الذي نتلاعب به قبل أن تتقاذفه الطبيعة العمياء في لحظة متوحشة. بل إننا أكثر من ذلك قسمنا هذا الإنسان قسمة ضيزى: إنسان هنا وهناك سقط متاع، ونحيي الإنسان هنا، ونتركه يموت هناك.لا، لم يكن الزلزال الرهيب قدراً مكتوباً، وهو ليس غضب الطبيعة، هذه الكتلة الصماء. دعونا لا نريح ضمائرنا. إنها منطقة زلازل معروفة منذ أمد بعيد، وكان بإمكاننا أن نفعل شيئاً، لكننا لاهون - بماذا؟ - وغافلون بالسلطة والمُلك، والفتوحات والانتصارات الوهمية، عن هذا الإنسان وعن سبق إصرار عجيب. وها نحن حكام على الموتى... بل إننا لا نكف عن الضحك وهم على مرأى منا، ولا نشم رائحة الأجساد وهي على بعد خطوات من أنوفنا. أي كلمات صالحة ما تزال في قاموسنا؟ لقد تركنا الطبيعة تفعل ما تشاء بأضعف مخلوقاتها على الأرض، بتلك البيوت الآيلة للسقوط قبل أن تزلزلها الطبيعة على رؤوس ساكنيها، وبتلك المساكن ذات السطوح التي تنزف كلما مستها قطرة من المطر، والخيام المهترئة للاجئين هجروا أراضيهم وبيوتهم الآمنة هرباً من جحيم براميل متفجرة في السماء، لا تقل هولاً عن زلازل الأرض. موت هنا، وموت هناك.لا عدل في الموت... كما لا عدل في الحياة.