في هذه الآونة، يشيع الحديث عن ظواهر التّعري على صفحات الفيسبوك، ومواخير عبدة الجن والفرج، وغيرهما من أماكن موبوءة يتعرّون فيها، ويستبدلون الغرائز الحيوانية المنحرفة بالفطرة العفيفة الآدمية التي فُطر عليها ابن آدم. المهم، يترافق هذا ويتزامن مع عُري آخر آخذ بالتنامي، وهو عُري النّصابين والسّرسرية والحرامية الذين كانوا يوما ما يُدعَوْنَ بالمعالي والسعادة والباشا والبيك؛ هؤلاء هم عراة اليوم، بعد أن تجرّدوا مما يستر عوراتهم، فظهروا على حقيقتهم التي لم تخفَ على أشراف هذا البلد، فكانوا يشيرون إليهم بالفساد تلميحا وتلميحا مرة بعد مرة، فصدق الأشراف بظنّهم، وخابَ العُراةُ بفسقهم. وإنْ سترَ أبونا آدم عليه السلام عورته بورقة تين واحدة، فهيهات لكم أيّها العراة أن تستروا عوراتكم بأطنان من أوراق الدولار والشيكل. وهاهي أسماؤكم التي كانت تملأ صفحات الصّحف بأخباركم وبطولاتكم المزعومة، هي الآن تملأ ذات الصفحات بفضائحكم ودسائسكم. وبعد أن كان الناس يقبلون نحوكم، هاهم أنفسهم الآن يُدْبِرون عنكم بعد أن فاحت روائح فسادكم؛ ماليّا وإدارياّ بل وأخلاقيّا كذلك؛ رنجات مهداة، ورشى معطاة، وضرائب معفاة، وأراضين مستأجرة بالملاليم، وشركات وطنية مبيعة بدريهمات ودراهيم، ومساكن كريمة غمستم أصابعكم في أساساتها فصارت مساكن ضرّ وضرار، وموارد لوثتم جدولها وماءها؛ كثيرة هي نُفاياتكم، وكريهة هي روائحكم.
أيها الموات، أكفان غيركم لفائف بيضاء، وأكفانكم- عن قريب- صحائف سوداء. الصلاة على جنائز غيركم أربع تكبيرات، والدعاء عليكم أربعمئة لعنة ويزيد. الدّعاء لغيركم بالجنة، والدّعاء عليكم بسجون الدنيا وعذاب القبر وجهنم؛ لما أوصلتم إليه العباد من قهر وإحباط وفقر، والبلاد من دَيْن ومديونية، بعد أن تحولتم من مُؤتَمنين على ما بين أيديكم إلى خونة، وامتهنتم الكمسيون والسمسرة عليه.
أيها الموات؛ يُعطّر غيركم بالطّيب، أمّا أنتم فتُرشّون بالتُهم التي اقترفتموها عندما كنتم سادة في القوم تصولون وتجولون، واليوم لا صول لكم ولا جولة، وما هي إلا أمتار مربّعة تقبعون فيها مهانين منبوذين في الرّميمين أو قفقفا. وما هي إلا أيام معدودات ويلتمّ شمل ناديكم، ويلتمّ نصّابكم على حراميكم. عندها، ستقتنعون تماما أنّ ثانية واحدة خلف القضبان ستنسيكم سنين العزّ والجاه والمنصب الذي فرّطتم به ففرّط بكم غير آسف.
أيها العراة، لن يرأف بكم بعد اليوم شرطي سهر الليالي يحرس بنوكا أودعتم فيها أموالكم الحرام، ولن يشفق عليكم موظف اختلستم قوت عياله، وحطّمتم آماله وأحلامه، ودفنتم عمره الذي ركض فيه دون كلل ولا ملل لعله يأوي رأسه وأسرته في منزل متواضع لم ينله حتى السّاعة، في حين شيّدتم الفلل والضياع والبساتين المرقومة بالملايين وآحاد الملايين، ومئات الملايين؛ من أين ورثتموه؟ أمِنْ آبائكم أم من أجدادكم- رحمهم الله- ولكن لا نطلب رحمة بكم ولا مغفرة، بل مهانة وعذاب وسواد وجوهكم.
أيها العراة، لا تستتروا، فقد افتضح أمركم. لا تستتروا؛ ففضيحتكم أكبر من أن تغطيها ورقة دولار. ولكن اهمسوا في آذان أتباعكم والمسحّجين لكم ما تشعرون به من ذلّ ومهانة بعد أن صارت أسماؤكم مسخرة ومصخرة للرائح والغادي، وأصبحت كنية أحدكم مدعاة للتشفّي والسخرية في المجالس، وبتّم ملعونين في المساجد والجوامع والكنائس.
أيها العراة، هنيئا لكم ناديكم ومنتداكم، وعليكم بالإكثار من ذِكْرِ هادم اللّذات التي تنعمتم بها ردحا من الزّمن.