أجمل ما في شتائنا هذا العام أنه جاء بنكهة خريف تتساقط به أوراق التوت عن عورات الفاسدين أو بعض الفاسدين لغاية الآن ونرجو من الله أن يمتد هذا الخريف المفرح الشافي حتى يتسنى لرياحه إن كانت جادة ومحايدة وغير إنتقائية تعرية كل فاسد ومخرب إستغل منصبه وعطل ضميره وتطاول على مال العباد والبلاد ونأمل أن تتم المحاسبة الحقيقية العادلة وأن يتم إعادة المال المنهوب لخزينة الدولة من جميع الفاسدين دون إستثناء، إن نتيجة صمت الأكثرية على هؤلاء لسنوات ومن أن البعض ممن كان يعترض أو يخالف بوجهات النظر كانوا يرمون بالتهم المؤلمة من خيانة أو تعطيل للإصلاح أو أنهم أصحاب أجندات خارجية، ظل الجميع تقريبا إلا بعض أصحاب الضمائر المتقدة يلتزمون الصمت إما منفعة أو قهرا وكمتا وخوفا، حتى وصلنا إلى مرحلة بعنا بها كل مقدراتنا عن طريق خصخصة لا أدري كيف تمت بهذه الطريقة، تغول الفاسدون على المال العام حتى ارتفعت مديونية الأردن من ستة مليارات دولار في أواخر القرن الماضي مع ملاحظة أن جميع الشركات الكبرى التي تم خصخصتها فيما بعد كانت ما زالت بإسم الدولة وتحت ملكيتها حتى وصلت إلى الرقم المرعب الذي يقارب العشرين المليار حاليا مع تفريطنا بكل أملاك الدولة الرئيسية تقريبا، ألسنا بحاجة لوقفة سريعة وجدية ووصفة قوية وفعالة لما نحن به خوفا من وصول البلد إلى أزمة إقتصادية خانقة لا قدر الله.
إن زمرة الفساد في الأردن كانوا يتسيدون الساحات السياسية والإقتصادية والأمنية، وبنوا من حولهم جدران عالية من الأوهام والخداع وظنوا أن مسلسل التستر على المقصر وعلى الناهب لثروات البلد سوف يستمر إلى ما لا نهاية ولكنهم صدموا ولله الحمد والمنة بأن هناك أحرار في البلد لن ولم يستكينوا ويخضعوا ويصمتوا على الفساد بعد كل ما ارتكبته أيادي الفاسدين القاسية الآثمة بحق الوطن وأهله، يتميز الفساد بالأردن وهو شبيه لبعض الحالات بالدول العربية الأخرى إلى حد ما بإستهتار أولئك الفاسدين بالجميع ويتولد لدى المواطن العادي شعور قوي بأن تلك الزمرة الفاسدة كانت تتقاسم ثروات البلد وكأنها ميرات ورثوه عن أجدادهم وآبائهم.
إن من يغلب حب المال والشهرة والثراء الفاحش والمنصب على الضمير الحي المراقب لعمل الإنسان والمحاسب الذاتي والتلقائي له لن تنفع معه كل الرقابات بالدنيا؛ لأن حب هذه الأشياء قد تملك منه فأصبحت هذه البهرجة الزائفة والفانية أقصى الأماني وقمة الطموحات بصرف النظر أجاءت من حلال أو حرام، لا يفكر هؤلاء بغيرهم ولا يخشون عواقب ما يفعلون لأنهم كانوا يعتقدون أو يجزمون بأن المناصب أو العادة التي جرت في الأردن تحولان بينه وبين المحاسبة والعقوبة.
تألمت جدا كحال كل الغيورين في بلدي عندما توالت الأخبار عن كشف قضية فساد تجر أخرى حتى يأست أن يكون هناك أي مؤسسة أو دائرة حكومية أو حتى مشروع إقتصادي أو تنموي دون شبهات فساد أو قضايا فساد بالملايين وبعضها بمئات الملايين، أليست هذه الملايين التي تراكمت حتى أصبحت بالمليارات هي التي رفعت مديونيتنا إلى حدود غير معقولة ولا مقبولة، أليست هذه الملايين هي التي حرمت المواطن العادي من أن يدرس أبناءه مجانا أو برسوم زهيدة بالجامعات الحكومية كحال كل الدول من حولنا، أليست هذه الملايين هي التي حرمت المواطن العادي من أن تساعده الحكومة على تملك بيت يأويه ويريحه من عناء الإيجار والمالكين، أليست هذه الملايين على حساب غذاء ودواء المواطن العادي وجودتهما... وأليست ... وأليست ... لقد كانت هذه الملايين كفيلة بتحسين وضع الموظف البسيط وكانت جديرة بتحويل مشروع هيكلة الرواتب إلى مشروع نوعي وحقيقي بزيادة ملموسة لا وهمية على رواتب جميع الموظفين في القطاع العام، هذه الملايين كانت كفيلة بقيام مشاريع ناجحة تحارب البطالة وتخفف من وطأة الفقر وتحاربه.
لقد استشرى الفساد بكل مناحي الحياة ولكن هناك بصيصا من الأمل بمحاسبة الفاسدين ولكن الشعب المقهور يريد محاسبة كل الفاسدين... كلهم كلهم، دون تفريق ولا إنتقاء ولا محاباة حتى لا تتهم الجهات التي تحارب الفساد بالفساد، ويحدوه الأمل بأن يلمس إجراءات حقيقية لإعادة هيبة الوطن وتنزية المنصب الذي أضحى شبهة لصاحبه حتى وإن كان نزيها وصادقا ومخلصا في عمله، لهذا يجب العمل على إشعار المواطن بأن حقوقه مصانه وأمواله محفوظة وأنه كما عليه واجبات فله حقوق يجب حفضها وعدم التفريط بها، متى سيشعر المواطن البسيط بأن الجميع أمام القانون سواء وأنه لا حماية لفاسد مهما كان إسمه أو رسمه أو نوعية جيناته أو ارتباطاته خارجيا أو داخليا، أتمنى أن تدور عجلة الإصلاح ومحاربة الفساد بسرعة أكبر وأقصد بالسرعة هنا سرعة التنفيذ والأفعال والنتائج الملموسة لا سرعة وكثرة التصريحات والأقوال التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وأرجو الله أن يلمس الجميع وبأقرب وقت ممكن أن الإصلاح ومحاربة الفساد نابع من قلب صانع القرار وأننا لسنا بحاجة لإنتظار ما ستمليه علينا هذه الدولة أو تلك، لأننا دولة حرة ومستقلة وصاحبة سيادة ويجب أن يكون قرارنا سيادي وداخلي بعيدا عن الأوامر أو الإملاءات أو التوجيهات المشكوك بأهدافها من هنا أوهناك؛ لأن الأردن لديه من الثروة البشرية وحتى الثروات المعدنية والطبيعية والتي ما زالت حكوماتنا مصرة على تخزينها وحفضها بالصحاري والجبال وبطون الأرض ما يجعلنا قادرين على القيام كدولة قوية متينة متماسكة صاحبة سيادة ورأي حر وقوي ومؤثر، أسأل الله جل جلاله أن يغير الأمور إلى أحسن الأحوال وأن يحفظ الأردن وأهله وأن يديم عليه نعمة الأمن والأمان وأن يبعدنا عن الفتن ما ظهر منها وما بطن وسائر بلاد المسلمين وأن يحقن دماء إخواننا العرب والمسلمين في كل مكان إنه ولي ذلك والقادر عليه.
Abomer_os@yahoo.com