الحاجة للحوكمة الرشيدة الفعلية تتضح جلياً إذا استعرضنا حال الشركات الحكومية في كل العالم فهي تحتاج للدعم الحكومي باستمرار، والأصل أن لا تستثمر الحكومة لأنها لا تنجح إذا أقحمت نفسها بالاستثمار المباشر، ولمعالجة الواقع القائم تحرص الحكومات على إنشاء شركة أم تضع تحت مظلتها الشركات المملوكة منها بحيث يتم الإشراف والرقابة عليها بما في ذلك تعيين مجالس الإدارة في الشركات التابعة.
الوضع القائم موروث منذ سنين طويلة فيه شركات وملكيات حكومية يتطلب نجاحها بداية تطبيق الحوكمة الرشيدة، ثم السير في خصخصتها أو طرحها للاكتتاب، لأن الحاصل هو تعيين المجالس دون أسس واضحة معلنة وبعد مرور 3 سنوات وهي عادةً مدة المجلس، يمكن أن يتم التجديد أو التغيير للأعضاء وأيضًا دون توضيح الإنجازات أو العثرات. الحوكمة الرشيدة تشترط تقييم مجلس الإدارة بهدف التطوير وتقديم الحلول، والتي لا تعني بالضرورة التخلص من بعضهم، بل تعني في كثير من الأحيان تقديم التدريب والتعريف الضروريين، لذلك يعد اختيار المستقلين وتقييم المجلس والأعضاء أهم دعائم الحوكمة.
الاستقلالية بمعنى وجود عدد مناسب من الأعضاء المستقلين المحايدين في مجلس إدارة الشركة الحكومية الأم، بحيث لا يكون بينهم أي وزير أو وكيل أو من كبار التنفيذيين الحكوميين، وكذلك توفر المستقلين في كل الشركات التابعة.
التقييم يشمل ثلاثة مستويات أولها تقييم مجلس الإدارة ككل، من خلال تقرير سنوي يوضح حضورهم حدا أدنى من اجتماعات المجلس ولجانه سنوياً، و تبيان نسبة الإنجاز من الخطة الاستراتيجية، ملخص عن أداء الشركة عموماً،و الأداء المالي خصوصاً مقارنة بالموازنة المعتمدة، الخطط المالية للعام التالي، نبذة عن برنامج تعريف الأعضاء الشامل المامهم بالجوانب المالية والقانونية والاستراتيجية،و مهام و أهداف الشركة، وقانون تأسيسها، والهيكل التنظيمي، وخطة العمل، والتعريف بمهام ومسؤوليات الأعضاء واللجان، و نبذة عن برامج التطوير المهني لأعضاء المجلس.
ثانيها التقييم الذاتي من حيث تقييم الأعضاء لبعضهم البعض وتقييم الأعضاء للرئيس، وثالثها تقييم من طرف ثالث يتم من خلال جهة خارجية يغطي مدة عمل المجلس ويتم توفيره قبل مدة كافية من انتهاء فترته، وكلاهما يحتاجان لتفصيل لاحق.
الحوكمة تشمل معالجة أي تعارض محتمل في المصالح، وصلاحيات المجلس والرئيس التنفيذي، واتخاذ ما يلزم لتشكيل اللجان المنبثقة عن المجلس خاصة لجنة التدقيق والمخاطر ولجنة الاستراتيجيات والسياسيات الإجباريتين، ومعناه تناوب المدققين وليس العلاقة الطويلة، ووضع نظام رقابة داخلي محكم، وقواعد للإفصاح والشفافية والسلوك المهني، والمسؤولية الاجتماعية والبيئية.
للعلم كل هذه الشركات كانت مؤسسات حكومية كان الهدف من تحويلها لشركات هو إدارتها على أسس تجارية وفق أفضل الممارسات يعزز الرقابة ويعظم الإيرادات ويدعم الخزينة، ولقد أثبتت الحوكمة نجاحها عند تطبيقها على الشركات المدرجة في البورصات الرائدة، فما المانع من تطبيقها على الشركات الحكومية لتنطلق نحو رحاب الربحية والأضواء العلنية.