أصحيح ما يُقال عنّــا؟
يبدوا أنّ الأيديولوجيات في زماننا بلغت ذروة الصراع. فعندما نتجه إلى الأمام في التفكيــر على نحو منطقي فإننا نرى بوضوح أنّ المجتمعات القاطنة في مركز الأرض، تجد نفسها مضطرة بعد جهد ساحق إلى بلوغ سقف الصدام، و لو على حساب الأسس التي تقوم عليها، و ما ذلك الصدام إلاّ نتيجة لاختلاف يرفض الاعتراف، ممزقا كل صكوك المغفرة، ساعيا إلى العراك قصد التهام الفرق الذي يصنع الالتئام، على سبيل إظهار العضلات و الرهبة، و هنا نجد لزاما علينا بلوغ الآتي: ما طبيعة الأيديولوجية في شمال القارة السوداء؟
لو تأملنا في هذه المنطقة تاريخيا فحتما سنجد العديد من الحقائق، بحيث تجتمع هذه الأخيرة في ثلاث قوالب، تختلف باختلاف المبادئ و المناهج، إضافة إلى طرق العيش و مميزات الإنسانية، و التي تعطي هذه الصفة للكائن المقدس المتحَدث عنه.
إنها ثلاث عوالم لا تشبه إحداها الأخرى إلاّ في نقطة واحدة، و هي حبّ السيطرة مع قليل من الهيمنة على هذه البقعة من العالم، و لأجل هذا الهدف سال الحبر كما الدم بغزارة، و استخدمت كل الطرق المشروعة و الغير مشروعة لتأييد فئة على حساب الأخرى، و هذه الوضعية ما تزال مستمرة حتى الآن.
الإنسان بطبيعته الجسدية حيوان، بينما هو ملاك بعقله، لكن بين هذا و ذاك نجد الإنسان، بـل و حتى صفة الإنسانية صفة تلتصق بالحيوان إذا ميّزته الثقافة، أي أنّ الإنسان حيوان مثقف، و هذا المخلوق المميّز يولد كما تولد المخلوقات الأخرى، و بعد ذلك ينموا في ظلّ الكثير من الرعاية، أين يتعلم و يكتسب صفات البشر من حركات و إشارات، و ألسن و طبائع، دون أن ننسى استخدامه لعقله من إدراك و تمييز إضافة إلى التذكر و الاستيعاب قصد التعرّف و التعريف بما يحيط به، كما هو الحال بالنسبة لنفسه و ذاته. و من هذه النقطة نستنتج أنّ الثقافة هي العامل الفاصل في التصنيف، أي أنها المساحة المهمة بين الأجناس. و بما أنّ الإنسان ابن ثقافته التي تتضح في الايدولوجيا التي تسيّر حياته و تحرك يومياته نحو منحى تجسيد معتقده على الأرض، فإنّ الفرد في هذه المنطقة ابنا بارا بالقبيلة، ولد في العشيرة، و تعلم مبدأ الحفاظ على السلّم الهرمي للاحترام المبني على تقديس الزعيم، و الذي هو في الأصل الجدّ لكل أفراد المجموعة، أو على الأحرى الحامي الوحيد و القائد الروحي الأكبر "إنّ الأبوية داخل القبلية أبوية اجتماعية و ليست بيولوجية" فيعلّم الطفل على أنّ القبيلة هي مركز الانتماء، و أنّ التعاليم هي تعاليم الزعيم، و هذا الأخير هو مصدر السلطة و القضاء و الحكم، و ما على الآخرين إلاّ الطاعة و إبداء الولاء داخل هذا النظام الذي رسمت جزئياته في سالف الأزمان. و مع مرور الوقت رسخت هذه المبادئ كما لو كانت نتيجة حتمية أتت بها الأرواح عندما وقّعت على تحالفها مع الطبيعة. ففي هذه المرحلة من الزمن كان الإنسان يفكر ضمن العلاقة الأخوية داخل محيطه القبلي، و كيفية ملاطفة ما حوله، بينما يعتبر الغير من أجانب خارج عشيرته أعداء أم أحباب طبقا لما يراه الزعيم، أين اتسمت الأيديولوجية المتبناة بالحبّ الأعمى للجماعة التي يعيش معها الفرد، و إقامة نظامها هي عملية إلزامية و ضرورية للمدّ التواصلي القابع في دهاليز النفس الفردية لأي عنصر إنساني لا يجد بديلا عن العشيرة.
فتلك العقلية دامت لعقود و قرون من الزمن، أين ترسخت كل الترسيخ مع المدّ الإسلامي، و الذي جعل المنطقة عربية اللسان، إسلامية الدين، واحدة التوجه، لكن ما يعيب تلك الفترة هي ابتعاد التجمع البشري المتحدث عنه عن مركزية الأمّة و تنظيم الحكم، أين بقيت العشيرة إلى حد ما هي المسيطر على جميع مفاصل الحياة الدينية، و الاجتماعية، و حتى السياسية و العسكرية.
إنها فترة تحكمت فيها روح الزعيم في مستقبل أفراد قبيلته، و لم يتلاشى هذا النظام، إلاّ بقدوم فحول الأتراك إلى الشمال الإفريقي، بعد أن ضمنوا دخول البلاد، استجابة لاستغاثة أعيان مدينة الجزائر، الذين استجاروا ببني دينهم على حملات أوربا المطاردة لمسلمي الأندلس بعد ضياعها، و ما كان من الوافدين الجدد إلاّ أن بنوا دولة بعصرنة المؤسسات الموجودة (القبيلة)، و مزجها في تجمعات، شكلت فيما بعد كتلا إنسانية، لقبت بـ "الشعب"، فكانت ولاية عثمانية من ديار الإسلام الكبيرة و القوية وقتئذ.
و قد بقى الفرد في هذه الحقبة ساكنا عثمانيا، يدين بدين الإسلام، و محميا من قبل بني عثمان. و استمرت الحال على ما هي عليه إلى غاية مرض الرجل العظيم، فتكالب الإفرنج على الساحل، و الذي فاز به الفرنسيون سنة 1830م، أين وجد الفرد نفسه في هذه الفترة تحت رحمة الثقافة الأوربية من لغة فرنسية و دين مسيحي، و التي عمدت الجمهورية على تثبيتها على الأرض بكل ما امتلكت من قوة ناحية الترهيب، و من حيلة ناحية الترغيب، و في هذا الإطار صرح ميزفيل أول رئيس لمحكمة الجزائر بعد سنة 1870م: "...يتعين على جميع السكان أن يذوبوا في الحضارة الفرنسية. و أن يدركوا أنّ قدوم شعب من الشمال جاء ليستقر... و أن المشكل الذي يواجه عقيدة الإدماج، هو وجود مجتمعان مختلفان في كل شيء: في العقيدة، في الفكر، في العادات و في التقاليد و لذلك لا يمكن دمجهما إلاّ بابتلاع شعب لشعب"
و بقي هذا الصراع لقرون من الزمن، حتى بعد رحيل الاستعمار السياسي عن المنطقة، بقي الاحتلال الثقافي مهيمنا في شكل تجاذب، بلغ ذروته في صورة دموية خلال تسعينات القرن العشرين، قتل فيها الملايين بداعي التعصب تارة، و بذريعة نصرة الحق المزيف تارة أخرى، إلى غاية وضع هدنة مؤقتة، أصبحت سارية المفعول سنة2000م، لكن سرعان ما وجد الفرد نفسه بعد 11/11/2001م ضحية صراع إيديولوجي يتجاذب أطرافه: كتلة المعوربة الإسلاموية، و كتلة المفرنسين العلمانيين، و كتلة المتأمركين البراغماتيين.
و هذا كله يضمن استمرار الصراع و حيرة الإنسان في شمال إفريقيا، الذي لم يحسم ركائز إنسانيته بعد، فهو موجود في أزمات عديدة و متعددة، أوّلها أزمة هوية، و ثانيها أزمة ثقافة و جدية، و ثالثها أزمة ثقة و إرادة، أين يجوز لنا كساكنين لهذه المنطقة طرح الأسئلة التالية: من نحن؟ ماذا نريد؟ بماذا نحقق إرادتنا؟ و اعتمادا على ما سبق: هل نحن إنسانيين حقا أم مجرد حيوانات بشرية؟؟؟
Mr. Viktor Dilavera
يبدوا أنّ الأيديولوجيات في زماننا بلغت ذروة الصراع. فعندما نتجه إلى الأمام في التفكيــر على نحو منطقي فإننا نرى بوضوح أنّ المجتمعات القاطنة في مركز الأرض، تجد نفسها مضطرة بعد جهد ساحق إلى بلوغ سقف الصدام، و لو على حساب الأسس التي تقوم عليها، و ما ذلك الصدام إلاّ نتيجة لاختلاف يرفض الاعتراف، ممزقا كل صكوك المغفرة، ساعيا إلى العراك قصد التهام الفرق الذي يصنع الالتئام، على سبيل إظهار العضلات و الرهبة، و هنا نجد لزاما علينا بلوغ الآتي: ما طبيعة الأيديولوجية في شمال القارة السوداء؟
لو تأملنا في هذه المنطقة تاريخيا فحتما سنجد العديد من الحقائق، بحيث تجتمع هذه الأخيرة في ثلاث قوالب، تختلف باختلاف المبادئ و المناهج، إضافة إلى طرق العيش و مميزات الإنسانية، و التي تعطي هذه الصفة للكائن المقدس المتحَدث عنه.
إنها ثلاث عوالم لا تشبه إحداها الأخرى إلاّ في نقطة واحدة، و هي حبّ السيطرة مع قليل من الهيمنة على هذه البقعة من العالم، و لأجل هذا الهدف سال الحبر كما الدم بغزارة، و استخدمت كل الطرق المشروعة و الغير مشروعة لتأييد فئة على حساب الأخرى، و هذه الوضعية ما تزال مستمرة حتى الآن.
الإنسان بطبيعته الجسدية حيوان، بينما هو ملاك بعقله، لكن بين هذا و ذاك نجد الإنسان، بـل و حتى صفة الإنسانية صفة تلتصق بالحيوان إذا ميّزته الثقافة، أي أنّ الإنسان حيوان مثقف، و هذا المخلوق المميّز يولد كما تولد المخلوقات الأخرى، و بعد ذلك ينموا في ظلّ الكثير من الرعاية، أين يتعلم و يكتسب صفات البشر من حركات و إشارات، و ألسن و طبائع، دون أن ننسى استخدامه لعقله من إدراك و تمييز إضافة إلى التذكر و الاستيعاب قصد التعرّف و التعريف بما يحيط به، كما هو الحال بالنسبة لنفسه و ذاته. و من هذه النقطة نستنتج أنّ الثقافة هي العامل الفاصل في التصنيف، أي أنها المساحة المهمة بين الأجناس. و بما أنّ الإنسان ابن ثقافته التي تتضح في الايدولوجيا التي تسيّر حياته و تحرك يومياته نحو منحى تجسيد معتقده على الأرض، فإنّ الفرد في هذه المنطقة ابنا بارا بالقبيلة، ولد في العشيرة، و تعلم مبدأ الحفاظ على السلّم الهرمي للاحترام المبني على تقديس الزعيم، و الذي هو في الأصل الجدّ لكل أفراد المجموعة، أو على الأحرى الحامي الوحيد و القائد الروحي الأكبر "إنّ الأبوية داخل القبلية أبوية اجتماعية و ليست بيولوجية" فيعلّم الطفل على أنّ القبيلة هي مركز الانتماء، و أنّ التعاليم هي تعاليم الزعيم، و هذا الأخير هو مصدر السلطة و القضاء و الحكم، و ما على الآخرين إلاّ الطاعة و إبداء الولاء داخل هذا النظام الذي رسمت جزئياته في سالف الأزمان. و مع مرور الوقت رسخت هذه المبادئ كما لو كانت نتيجة حتمية أتت بها الأرواح عندما وقّعت على تحالفها مع الطبيعة. ففي هذه المرحلة من الزمن كان الإنسان يفكر ضمن العلاقة الأخوية داخل محيطه القبلي، و كيفية ملاطفة ما حوله، بينما يعتبر الغير من أجانب خارج عشيرته أعداء أم أحباب طبقا لما يراه الزعيم، أين اتسمت الأيديولوجية المتبناة بالحبّ الأعمى للجماعة التي يعيش معها الفرد، و إقامة نظامها هي عملية إلزامية و ضرورية للمدّ التواصلي القابع في دهاليز النفس الفردية لأي عنصر إنساني لا يجد بديلا عن العشيرة.
فتلك العقلية دامت لعقود و قرون من الزمن، أين ترسخت كل الترسيخ مع المدّ الإسلامي، و الذي جعل المنطقة عربية اللسان، إسلامية الدين، واحدة التوجه، لكن ما يعيب تلك الفترة هي ابتعاد التجمع البشري المتحدث عنه عن مركزية الأمّة و تنظيم الحكم، أين بقيت العشيرة إلى حد ما هي المسيطر على جميع مفاصل الحياة الدينية، و الاجتماعية، و حتى السياسية و العسكرية.
إنها فترة تحكمت فيها روح الزعيم في مستقبل أفراد قبيلته، و لم يتلاشى هذا النظام، إلاّ بقدوم فحول الأتراك إلى الشمال الإفريقي، بعد أن ضمنوا دخول البلاد، استجابة لاستغاثة أعيان مدينة الجزائر، الذين استجاروا ببني دينهم على حملات أوربا المطاردة لمسلمي الأندلس بعد ضياعها، و ما كان من الوافدين الجدد إلاّ أن بنوا دولة بعصرنة المؤسسات الموجودة (القبيلة)، و مزجها في تجمعات، شكلت فيما بعد كتلا إنسانية، لقبت بـ "الشعب"، فكانت ولاية عثمانية من ديار الإسلام الكبيرة و القوية وقتئذ.
و قد بقى الفرد في هذه الحقبة ساكنا عثمانيا، يدين بدين الإسلام، و محميا من قبل بني عثمان. و استمرت الحال على ما هي عليه إلى غاية مرض الرجل العظيم، فتكالب الإفرنج على الساحل، و الذي فاز به الفرنسيون سنة 1830م، أين وجد الفرد نفسه في هذه الفترة تحت رحمة الثقافة الأوربية من لغة فرنسية و دين مسيحي، و التي عمدت الجمهورية على تثبيتها على الأرض بكل ما امتلكت من قوة ناحية الترهيب، و من حيلة ناحية الترغيب، و في هذا الإطار صرح ميزفيل أول رئيس لمحكمة الجزائر بعد سنة 1870م: "...يتعين على جميع السكان أن يذوبوا في الحضارة الفرنسية. و أن يدركوا أنّ قدوم شعب من الشمال جاء ليستقر... و أن المشكل الذي يواجه عقيدة الإدماج، هو وجود مجتمعان مختلفان في كل شيء: في العقيدة، في الفكر، في العادات و في التقاليد و لذلك لا يمكن دمجهما إلاّ بابتلاع شعب لشعب"
و بقي هذا الصراع لقرون من الزمن، حتى بعد رحيل الاستعمار السياسي عن المنطقة، بقي الاحتلال الثقافي مهيمنا في شكل تجاذب، بلغ ذروته في صورة دموية خلال تسعينات القرن العشرين، قتل فيها الملايين بداعي التعصب تارة، و بذريعة نصرة الحق المزيف تارة أخرى، إلى غاية وضع هدنة مؤقتة، أصبحت سارية المفعول سنة2000م، لكن سرعان ما وجد الفرد نفسه بعد 11/11/2001م ضحية صراع إيديولوجي يتجاذب أطرافه: كتلة المعوربة الإسلاموية، و كتلة المفرنسين العلمانيين، و كتلة المتأمركين البراغماتيين.
و هذا كله يضمن استمرار الصراع و حيرة الإنسان في شمال إفريقيا، الذي لم يحسم ركائز إنسانيته بعد، فهو موجود في أزمات عديدة و متعددة، أوّلها أزمة هوية، و ثانيها أزمة ثقافة و جدية، و ثالثها أزمة ثقة و إرادة، أين يجوز لنا كساكنين لهذه المنطقة طرح الأسئلة التالية: من نحن؟ ماذا نريد؟ بماذا نحقق إرادتنا؟ و اعتمادا على ما سبق: هل نحن إنسانيين حقا أم مجرد حيوانات بشرية؟؟؟
Mr. Viktor Dilavera