لم يكن طلب أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري ودانييل إينوي بتوطين الفلسطينيين ممن لا يحملون الأرقام الوطنية في الأردن أثناء زيارتهما الأخيره للمملكة ،مفاجئا لدى المتابعين والمحللين السياسيين ، بل جاء استكمالا للنصائح التي قدمها بايدن للحكومة الاردنية، بضرورة البدء بالاصلاح السياسي وتحديدا بتعديل قانوني الانتخاب والاحزاب على اساس التمثيل السكاني ، جاء ذلك في تصريح صادر عن السفارة الامريكية قبل انتخابات مجلس النواب الاردني لعام 2010 ، تبعها بعد ذلك زيارة عدة وفود امريكية واوروبية تركزت طلباتها في نفس الاتجاه مع ربطها ذلك بالمساعدات المقدمة للاردن .
وفي غمرة ما يسمى الربيع العربي والمطالبات الشعبية بضرورة الاصلاح السياسي ، استجابت الحكومة الاردنية للمطالب الاوروبية والامريكية وحملت شعار الاصلاح السياسي وقامت بتعديل قانوني الانتخاب والاحزاب فقط ، وكأن الاصلاح السياسي مقصورا على هاذين القانونين ، مع أن مفهوم الاصلاح السياسي مفهوم شامل ويعني تطوير في شكل الحكم أو العلاقات الاجتماعية داخل الدولة في إطار النظام السياسي القائم وتستند الى مفهوم الشرعية السياسية والتي تعني تطابق قيم النظام السياسي مع قيم الافراد ، والأهمية القصوى لهذا المفهوم تكمن في ربط المواطن بالدولة من خلال تلبية الاحتياجات والمتطلبات السياسية والاقتصادية للمواطنين ، وخلق الارتباط يتأتى من خلال بناء المواطنة القانوني ، والمرتبط بالانتماء للدولة والولاء للنظام. ولن يتحقق هذا الانتماء والولاء الا بتحديد مفهوم الهوية الوطنية من خلال رزمة من التعديلات التشريعية يكون اولها تعديل قانون الجنسية لعام 1954الذي شرّع في عهد وحدة الضفتين والذي بموجبه يعطي الجنسية الاردنية لابناء الضفتين معا ، لذا كان واجبا قانونا تعديل قانون الجنسية الاردني تطبيقا لاتفاقية وادي عربة و فك الارتباط ، لتحديد من هو الاردني ومن هو غير الاردني ، دون ترك ذلك للتعليمات والاجتهادات السياسية ، حفاظا على الهوية الفلسطينية وحق العودة وبالتاكيد الحفاظ على الهوية الاردنية .
ولكن الحكومة الاردنية لم تستكمل الخطوات الواجب اتباعها من دسترة فك الارتباط وتعديل قانون الجنسية لترك الباب مفتوحا لتنفيذ الرغبات الامريكية والاوروبية .
حقيقة توطين الفلسطينين في الاردن تم على ارض الواقع منذ عشرات السنين وللاسف ما زال البعض يتحدث عن ضرورة وقف مشروع التوطين والحفاظ على حق العودة وعدم ضياع الحقوق الفلسطينة ، فالتوطين والاندماج تم، والجنسية الاردنية منحت ، منذ ان اتخذ قرارا بوحدة الضفتين عام 1952 وشرّع دستور اردني بناء على هذه الوحدة ، فلا مجال لفك الارتباط الا بدسترته فقط ، وعندها فقط يعاد النظر بالجنسيات التي منحت بعد عام 1989 اما من حصل على الجنسية قبل عام 1989 فهم اردنيو الهوية والجنسية ،هذا تذكير لمن يستخدم الخطب السياسية وينظر اعلاميا بضرورة الحفاظ على حق عودة اللاجئين.
ونستند في قولنا هذا الى مجموعة من الحقائق :
1.لقد كان من الواضح أن أكبر عقبة في نسوية القضية الفلسطينية حسب المنظور الاسرائيلي والامريكي هو العدد الكبير من اللاجئين الفلسطينين ، فقد عملت الولايات المتحدة منذ البداية على تصفية هذه المشكلة ، ونذكر هنا ما قاله الرئيس الأمريكي ترومان في خطاب ألقاه عام 1951م : ( ما لم يجد هذا العدد الضخم من المشردين بيوتاً جديدة وفرصاً اقتصادية فإنهم سيؤلفون قوة في استطاعتها أن تصبح هدامة في هذه البقعة من العالم ذات الأهمية الحيوية لنا ) .
2.سارعت الأمم المتحدة إلى إنشاء وكالة تسمى وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الأونروا ) بدلاًمن العمل علىعودة اللاجئين الفلسطينين، حيث قامت الوكالة بتسهيل هجرة الشباب الفلسطيني إلى الولايات المتحدوكنداوأوروبا واستراليا وتهيئة فرص العمل لهم بشرط أن يتنازلوا عن جنسيتهم .
3. نص قرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948م في إحدى فقراته : ( تقر الأمم المتحدة وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم ، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وفقاً لمبادئ القانون والإنصاف ) . يتلخص القرار في حق العودة لمن يشاء والتعويض لمن يقرر عدم العودة ، وليس كما يقول البعض ان القرار يعطي حق التعويض والعودة معا . ثم أن القرار 194 وأوسلو أيضاً ينصان على عودة اللاجئين و لم يخصص لفظ اللاجئين الفلسطينيين وبذلك فهو يشمل اليهود أيضاً ، ولا يستبعد أن يحصل اليهود على تعويضات كبيرة عن أملاكهم في العراق واليمن ومصر وليبيا ؛ وقد صرح أحد السياسيين اليهود أن على الدول العربية أن تقوم بتوطين الفلسطينيين ونقوم نحن بتوطين اليهود .
4. نجحت اسرائيل في إلغاء مرجعية قرارات الأمم المتحدة واوسلو والتي تنص على عودة اللاجئين أو التعويض وانسحاب ( إسرائيل ) من أراضي عربية محتلة والتأكيد على أن المرجعية هي التراضي والتفاوض بدون شروط ، وما لقاءات عمان الاخيرة الا شاهدا على ذلك من خلال دعم الإدارة الأمريكية لموقف إسرائيل ) على لمِّ شمْل عدد محدود من اللاجئين مع حرصها على إلغاء حق العودة أو التعويض في قرار 194 وان يكون التفاوض هو المرجعية الوحيدة ) .
5. اعلان مبطن من قبل مجلس التعاون الخليجي بدعم الاردن بخمسة مليارات ( كتعويض) ربما لاستيعاب استحقاق التوطين ، تزامنا مع نداءات اطلقها مايسمون انفسهم بنواب المخيمات وشخصيات فلسطينية واردنية بضرورة اعادة الجنسيات التي سحبت واعطاء ارقام وطنية لابناء المخيمات وقبل الانتخابات النيابية القادمة والسماح بتجنيدهم بالمؤسسات الامنية ، وهذا ينسجم مع التوجهات الامريكية والاسرائيلية بتجنيس اللاجئيين الفلسطينين وتوطينهم بالاردن .
6. دعم مشروع كلفته 980 مليون دولارمن الدول المانحة لتحسين الخدمات ورفع مستوى المعيشة في مخيمات اللاجئيين تم البدء بتنفيذها فعلا والهدف هو التوطين ولا غير .
حقيقة ربط توطين وتجنيس الفلسطينيين بالاصلاح السياسي في الاردن سيكون ضمن خطة اسرائيلية أمريكية شاملة لكل المنطقة ، وليس كما يظن البعض انها خاصة بالاردن ، ويبدو ان الربيع العربي قد افرز انظمة سياسية تصب في هذا الاتجاه ، خصوصا بعد الحضور البارز لحركات الاسلام السياسي والتي اصبحت تتبنى فقه المرحلة ، نتيجة تفاهمات امريكية سابقة وبدعم قطري واضح لاغبار عليه . ،فهذا رئيس المجلس الانتقالي الليبي اعلن سابقا انه سيقيم علاقات طبيعية مع اسرائيل ، والمصادر الامريكية تشير إلى إمكانية تجنيس الفلسطينيين المقيمين في سوريا بصورة جماعية بعد أن التقى مؤخرا رئيس المجلس الانتقالي السوري برهان غليون بمسؤولين من البيت الأبيض، وتم خلال الاجتماع بحث مستقبل سوريا ما بعد بشار الأسد، وطلب من غليون أنه في حال تسلم قيادة سوريا أن يقوم بتجاوز قرار الأمم المتحدة رقم (194) الذي ينص على حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وتم الاتفاق مع غليون على منح الفلسطينيين المتواجدين في سوريا الجنسية السورية، وتسليمهم مناصب وزارية شبه سيادية، وأن يتم دمجهم في المجتمع السوري كسوريين بكامل الحقوق والواجبات.
وتفترض الإدارة الأمريكية أن على دول الخليج ومصر والعراق ودول المغرب العربي إعطاء حق المواطنة للفلسطينيين المقيمين فيها والذين يقدر عددهم بحوالي 965 ألف نسمة، بينما تقوم الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بتوطين 900 ألف .
واخيرا نرى أن التلاحم والوحدة هما السبيل الوحيد لاعادة الحقوق لاصحابها والتصدي لعرابي التوطين ، فالتلاحم الواعي يمثل الرد القاتل على الذين تاجروا بالاوطان وباعوا قضايا شعوبهم بابخس الاثمان ، وخدعوا الشعوب بالوعود والخطابات والشعارات ، وعود كثيرة وقرارت دولية..شجب واستنكار ، كانت نتيجتها بيع الاوطان والمتاجرة بالشعب الاردني والفلسطيني والعربي على حد سواء ، وعلى الجميع أن يفوّت الفرصة على كل من يسعى لاثارة فتنة على اسس اقليمية أو جهوية ، لان الفتنة لامحالة تصب في خانة مشروع التوطين فالتهديد الصهيوني والامريكي ليس لفلسطين فحسب بل لفلسطين والأردن معا ، والحل الوحيد لاغلاق باب المخطط الخبيث للصهاينة هو اتخاذ خطوات عملية وتشريعية لدفن مشروع التوطين وتحصين الوحدة الوطنية ولن يكون الرد ابدا بالشعارات والخطب الرنانة والوعيد والتهديد.
والله من وراء القصد.
msoklah@yahoo.com