أخبار البلد - أطلقت روسيا صواريخ كروز على مدن في أنحاء أوكرانيا الاثنين، مما أسفر عن مقتل مدنيين وانقطاع الكهرباء والتدفئة، فيما وصفه الرئيس فلاديمير بوتين بأنه رد انتقامي على هجمات أوكرانيا التي شملت هجوما على جسر يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم.
وتوشك قواعد الاشتباك بين روسيا وأوكرانيا على أن تتغير، ومن المتوقع أن تنتقل الحرب بين الطرفين إلى مرحلة أكثر عنفا، بعد الانفجار في جسر القرم الإستراتيجي الذي سبق وأن هددت كييف بتدميره واعتبرت أنه "الهدف الأول” لهزيمة موسكو.
والجسر يمثل طريق الإمداد الرئيسي للقوات الروسية على جبهة خيرسون جنوبي أوكرانيا، سواء بالرجال والسلاح والذخائر أو بالوقود والمؤن.
وشهد الجسر الذي يربط الأراضي الروسية بشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014 انفجارا قويا السبت الماضي، أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وقطع حركة مرور العربات والقطارات.
وبينما لم يتبن أيّ طرف مسؤولية تفجيرات أنبوبي غاز نورد ستريم 1و2 في السادس والعشرين من سبتمبر الماضي، خرج مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك، في أشبه باعتراف رسمي بوقوف بلاده وراء التفجير، معتبرا إياه "البداية.. ويجب تدمير كل شيء غير شرعي”.
من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة ردا روسيا بتوسيع الحرب بما يشمل استهدف المنشآت المدنية الأوكرانية
وكتب بودولياك، في تغريدة على تويتر "إن كل شيء سرقته روسيا من أوكرانيا تجب استعادته.. ويجب طردها من كل المناطق التي احتلتها”.
وصرح أوليغ موروزوف نائب رئيس مجلس الدوما (البرلمان) إن "حربا خفية تشن على روسيا، والهجوم الإرهابي المعلن منذ مدة طويلة على جسر القرم لم يعد مجرد تحدٍّ بل إعلان حرب بلا قواعد”، فالحديث عن "حرب خفية” فيه إشارة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بالوقوف وراء هذه الهجمات القوية والمهينة دون أن تتبناها.
وأما "حرب بلا قواعد” فالمقصود بها استهداف المنشآت المدنية والبنية التحتية "في الداخل الروسي”، دون اعتبار للخطوط الحمراء التي وضعتها موسكو، رغم تلويحها بالسلاح النووي.
ومن المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة ردا روسيا بتوسيع الحرب بما يشمل استهداف البنية التحتية والمنشآت المدنية الأوكرانية، ما سيؤدي إلى سقوط ضحايا أكبر من المدنيين، وتدمير لمنشآت حيوية مثل محطات إنتاج الكهرباء.
وليس من المستبعد أن تعلن روسيا الحرب على أوكرانيا، وتحويل عمليتها العسكرية إلى تعبئة شاملة بدل التعبئة الجزئية التي تواجه عقبات حاليا، ما سيؤدي إلى تخصيص المزيد من الموارد للجيش لتحقيق نصر حاسم.
وبل من الممكن أن يشمل الرد حربا خفية روسية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، سواء بتكثيف الحرب السيبرانية، أو استهداف المنشآت المدنية في الدول الأوروبية دون تبني ذلك.
فالعالم مقبل على تفجيرات فوضوية متعمدة، تقف وراءها دولة أو مجموعة دول، دون أن يتبناها أحد.
ومن الصعب على روسيا ابتلاع الإهانة التي تلقتها في البحر الأسود سواء حادثة الجسر أو تدمير أهم سفينة حربية لها في البحر الأسود (الطراد موسكوفا) في أبريل الماضي.
وحتى وإن كان بإمكان روسيا إعادة فتح الجسر خلال ساعات واستكمال الإصلاحات خلال أشهر، فإن وقوع اختراق لكل الاحتياطات الأمنية التي وضعتها يهز سمعتها العسكرية.
الوضع في أوكرانيا يشهد تصاعدا غير مسبوق على جبهات القتال قبيل أسابيع من فصل الشتاء، حيث حققت القوات الأوكرانية انتصارات هامة في الجبهة الشمالية بمقاطعة خاركيف
وسبق لروسيا وأن فاخرت بإسقاط طائرة مسيرة قرب جسر القرم في أغسطس، وتعزيز دفاعاتها الجوية والبحرية وحتى في عمق البحر لصد أيّ هجوم بطائرات مسيرة أو صواريخ أميركية متوسطة المدى، أو حتى بغواصات وضفادع بشرية وقوات خاصة.
لكن الهجوم كان مفاجئا كونه بواسطة شاحنة مفخخة دخلت من الأراضي الروسية متجاوزة كل إجراءات التفتيش، وانفجرت قرب قطار محمل بالوقود ما زاد في اشتعال المكان بالنيران، وانهيار جزء من الطريق في مياه البحر.
والواضح أن خيارات موسكو بالرد بالأسلحة التقليدية بما فيها الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والمسيرات الإيرانية لم يردع تقدم القوات الأوكرانية، التي يبدو أنها مصممة على استرجاع كامل الأراضي التي استولت عليها روسيا، بما فيها جزيرة القرم.
والهدف للفوز بالحرب يدفع باحتمال لجوء روسيا إلى استخدام الأسلحة غير التقليدية والمحرمة دوليا، على غرار الأسلحة الكيمياوية التي استخدمت في سوريا، والبيولوجية بل وحتى النووية التفجيرية، لمواجهة التقدم الأوكراني المدعوم غربيا.
ويشهد الوضع في أوكرانيا تصاعدا غير مسبوق على جبهات القتال قبيل أسابيع من فصل الشتاء، حيث حققت القوات الأوكرانية انتصارات هامة في الجبهة الشمالية بمقاطعة خاركيف بعد استعادتها لمدينة ليمان الإستراتيجية وتحقيقها تقدما عسكريا في الجبهة الجنوبية بمقاطعة خيرسون المحاذية لشبه جزيرة القرم.
ولعبت الأسلحة الأميركية وعلى رأسها منظومة صواريخ هيمارس (مداها 70 كلم) في مواجهة دبابات ومدافع روسية ذات مدى أقل، ما أعطى تفوقا للجيش الأوكراني.
ويتزامن ذلك مع إعلان موسكو ضمها رسميا لأربع مقاطعات أوكرانية سيطرت على معظم أجزائها منذ انطلاق عمليتها العسكرية في الرابع والعشرين من فبراير الماضي.
وجاء تفجير الجسر ليزيد من الضغوط الداخلية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للضغط على الزر النووي، لتجنب هزيمة مهينة لثاني قوة عسكرية في العالم، بل الأولى من حيث عدد الرؤوس النووية.
وفي الحادي والعشرين من سبتمبر حذر بوتين الغرب من أن موسكو "ستستخدم كل الوسائل” المتاحة لها للدفاع عن نفسها بما في ذلك السلاح النووي، مؤكدا أن "الأمر ليس خدعة”.
وتحريك روسيا لقطارها النووي نحو الحدود الأوكرانية رسالة أخرى بأنها جادة في تهديداتها باستخدام السلاح النووي، خاصة أنها تعتقد بأن الغرب لن يرد بالمثل والمجازفة بخوض حرب نووية تكون نهاية العالم، من أجل بضع مقاطعات أوكرانية. بينما حذرت واشنطن القيادة الروسية من "العواقب الوخيمة التي ستتبع استخدام السلاح النووي”.
ورغم أن بوتين يتعرض لضغوط من صقور الجيش الروسي لاستخدام السلاح النووي لحسم المعارك في أوكرانيا، خاصة بعدما تعرضت ما يعتبرونه حدودا جديدة لبلادهم لاعتداء، إلا أن خيارا كهذا ستكون له انعكاسات سلبية على روسيا حتى وإن لم تواجه ردا نوويا من الغرب.
وبوتين لن يغامر بسهولة بنهاية روسيا والعالم إن لم يكن هناك تهديد فعلي على وجود بلاده، إذ تقضي العقيدة الروسية بأنه لا يمكن استخدام السلاح النووي إلا عند استخدام أيّ عدو أسلحةً نووية، أو أسلحة دمار شامل ضدها أو ضد حلفائها، أو عدوان على روسيا بأسلحة تقليدية يجعل وجود الدولة ذاته مهددا.
وإذا كان الاحتمال الأول غير مطروح، فإن الاحتمال الثاني قابل للتأويل خاصة بعد ضم أراضي شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربعة للاتحاد الروسي رسميا، وبالتالي أصبحت تشكل حدودها الجديدة.