سأكتب اليوم عن مناسبة عظيمة من عمر مملكتنا الحبيبة، سأكتب عن الذكرى السادس والسبعين للاستقلال الأردني المجيد، هذه المناسبة التي تحمل في طياتها قدراً كبيراً من الاحترام والإجلال لدى الأردنيين، حتى أصبح تاريخ الخامس والعشرين من شهر أيار من كل عام مناسبة عظيمة تحمل معانٍ ودلالات تَفرض علينا الوقوف عندها طويلاً، والاستفادة منها وإعطائها القيمة الكبيرة التي تستحقها واستخلاص الدروس التي تُعيننا على رسم مستقبلنا، واكمال المسيرة وتحقيق الأهداف الحقيقيّة لأولئك الذين ضحوا بالغالي والنفيس لإنجاز الاستقلال.
وسأستهل حديثي عن الاستقلال من حيث بدأ جلالة الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين المعظم طيب الله ثراه، وأقتبس من كلمته التي القاها قبيل اعلان الاستقلال بأشهر في الثامن والعشرين من كانون الثاني 1946م، عندما قال «إن من حق الأردن أن يبتهج ويغتبط بما هو حق له من تمام الاستقلال والسيادة» ويضيف المغفور له «لقد كنت خادم الأمة العربية عندما قدر لي المشاركة في وضع أسس الثورة العربية الكبرى التي انبثق عنها كيان العرب الدولي الحديث وانتهت الى وطن عربي مكين يعتز اليوم بدولهِ المستقلة القائمة».
فرسالة وأهداف الهاشميين العظماء الذين أطلقوا الثورة العربية الكبرى، وأسسوا بنيان هذه الدولة العظيمة، لم تقتصر على دولة عربيّة واحدة، بل ان رسالتهم كانت قومية شمولية للأمة العربيّة بكافة أقطارها، وفكرهم القومي العربي لم يُقيدهم في المكان الجغرافي الذي كانوا يتواجدون فيه، لا بل عملوا من أجل حرية الشعوب العربية وتحررها.
واستكمالاً لرسالته وكثمرة لجهوده الكبيرة لتحرر الشعوب العربية وانتزاع حقوقها المشروعة، وباصرار وعزيمة لم تلين أو تستكين، فقد جاء قرار المجلس التشريعي في الخامس والعشرين من أيار للعام 1946م وبالإجماع اعلان البلاد الأردنية دولة مستقلة استقلالا تاماً وذات حكومة ملكية وراثية نيابية والبيعة للملك عبدالله بن الحسين المعظم، بوصفه ملكاً دستورياً على رأس الدولة الأردنية بلقب صاحب الجلالة ملك المملكة الارنية الهاشمية، وأصدر قراره التاريخي الذي أعلن فيه استقلال المملكة الأردنية الهاشمية ليسطر بأحرف من ذهب قصة تكوين الدولة الأردنية كأساس للنهضة العربية التي حملت أعباء المسؤولية وأكدت الشخصية العربية، مُعيدة العرب الى سابق مجدهم.
فحق لنا اليوم وكل يوم أن نحتفل كأردنيين بإعلان استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، باعتباره عيداً وطنياً نحتفل به كل عام، كيف لا وقد شكّل الانعطافةً التاريخيةً نحو تحقيق حلم الحرية، والتحرر من سيطرة الآخر، وانطلاقةً نحو الاعتماد على الذات في إدارة شؤون البلاد، وتسخير كافة الوسائل المتاحة لتوفير سبل العيش للمواطنين بعزة وكرامة.
ولقد أصبح يوم اعلان الاستقلال شاهدا حياً على انتزاع الاردن لسيادته الكاملة على أراضيه وقراراته، وإدارة مؤسساته، وبات المواطنون الاردنيون يشعرون بأنهم أحرارٌ في وطنهم، مالكون لإرادتهم، يحتكمون لقوانينهم على ترابهم الذي يتساوون فيه في الحقوق والواجبات التي كفلها لهم الدستور، وطنناً وموئلاً للأحرار وملاذاً آمناً لكل ذي حاجة من كل دول العالم.
فبعد التضحيات الجسام والتحديات التي سطرها الهاشميون منذ تأسيس الدولة الأردنية في العام 1921م وحتى يومنا هذا، حق للأردنيين اليوم أن يفاخرون باستقلالهم المجيد الذي سُطر بأحرف من نور وشكل نقطة تحول لبناء دولة عصرية بعزيمة أبنائه وقيادته الهاشمية المكللة بالغار والانتماء، واصبح لزاماً على الأردنيين ومن باب الوفاء لتضحيات الهاشميين الذين حققوا الاستقلال. واستكمالاً لمسيرتهم، فمن الواجب على الأردنيين من شتى اصولهم ومنابتهم وباختلاف مواقعهم أن يعتبروا الاحتفال بعيد الاستقلال نقطة انطلاق نحو الإنجاز، واعتباره حالة مستمرة من العمل والبناء وتراكم الإنجازات، فالاستقلال لا يعني التحرر من القوى الخارجية التي تكبل إرادة الشعوب وحسب وإنما العمل من أجل محاربة الفقر والجهل والبطالة وكل مظاهر الفساد والمحسوبية وتحقيق التنمية الشاملة في مجتمع تسوده العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص واحترام حقوق الإنسان.
وختاماً وفي هذه المناسبة العظيمة نرفع ارق التهاني المزجاة الى سيدي ومولاي صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم حفظه الله ورعاه والى سمو ولي العهد المعظم الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه والى الأسرة الهاشمية والأردنية بهذا اليوم الخالد، عيد الاستقلال السادس والسبعين، معاهدين الله أن نحافظ على الاستقلال ومنجزاته وصون مكتسباته متطلعين معكم يا سيدي نحو آفاق أرحب ومستقبل أرغد لمملكتنا الزاهية بقيادتكم المظفرة مولاي المعظم حفظكم الله ورعاكم وسدد على طريق الخير خطاكم.