لكنهم رأوا في المقابل أن إجراءات الحكومة لضبط ارتفاع الأسعار لن تكون كافية بدون استجابة التجار والتزامهم عدا عن الاكتفاء بهامش ربح معقول في ظل أزمة اقتصادية يعيشها البلد قبل الأزمات الدولية وقبل أزمة كورونا، داعين الى التعامل مع الشأن الاقتصادي ضمن إطار أخلاقي وديني ووطني.
وقال وزير المالية ووزير الصناعة والتجارة الاسبق الدكتور محمد ابو حمور: يشهد العالم في هذه الأيام موجة تضخمية متأثرة بالعديد من العوامل مثل الإنفاق الناجم عن الحزم التحفيزية التي كانت تهدف لتجاوز تداعيات وباء كورونا إاضافة الى اختلال سلاسل التوريد وارتفاع كلف الشحن والتأمين والانعكاسات السلبية التي ترتبت اخيرا على الحرب في أوكرانيا، بما فيها ارتفاع أسعار الطاقة وحجم الكميات المتاحة للتصدير من بعض المواد الغذائية.
واضاف، اليوم يعاني المواطنون في الاردن، كما في العديد من دول العالم، من الارتفاع الواضح في أسعار السلع الاستهلاكية والغذائية، فيما يعاني الصناعيون والمستثمرون من ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، ما أثر سلباً على مستوى حياة المواطنين وقدرتهم على توفير المتطلبات المعيشية خاصة ان الاقتصاد الأردني لم يتعاف بعد بشكل كامل من الآثار التي نجمت عن جائحة كورونا.
وبين ابو حمور ان ارتفاع الأسعار مع ثبات دخل المواطن بل تراجعه في بعض الحالات له آثار سلبية ليس على رفاه المواطنين فقط،وإنما على مجمل الأداء الاقتصادي لمختلف القطاعات، وفي ضوء هذه الاوضاع يصعب القول بإمكانية التغلب على معضلة البطالة التي بلغت نسبتها 24%، والتي ترتفع بحسب تقديرات البنك الدولي الى 50% بين الشباب.
واشار الى أن ارتفاع الأسعار وما ترتب عليه من ارتفاع نسب التضخم دفع البنك المركزي الى رفع نسبة الفائدة بخمس وعشرين نقطة اساس-ربع نقطة مئوية-، وهو إجراء قامت به أغلب البنوك المركزية في دول المنطقة، وذلك للحفاظ على استقرار صرف العملة وجاذبية الودائع بالدينار، لكن وبالرغم من أهمية ذلك إلا أن ما يترتب عليه من زيادة الفوائد التي يدفعها المقترضون ورفع كلفة الاستيراد والأثر الذي قد يترتب على الاستثمارات سيقلص الدخل المتاح للإنفاق لدى المواطنين وقد يؤدي ولو بشكل طفيف لرفع كلفة الإنتاج.
وكانت الحكومة اتخذت العديد من الإجراءات لتقليص الآثار السلبية المترتبة على ارتفاع الأسعار منها تخفيض الضريبة على بعض السلع الغذائية ووضع سقوف سعرية لسلع أخرى، وتثبيت أسعار المشتقات النفطية سعياً لتجنب مزيد من الارتفاع في الأسعار.
من جهتها صرفت مؤسسة الضمان الاجتماعي سلفا للمتقاعدين لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم خلال شهر رمضان المبارك، كما قررت البنوك تأجيل الأقساط المترتبة على المدينين خلال الشهر الحالي، بهدف امتصاص انعكاسات ارتفاع الأسعار على المواطنين وعلى الحركة التجارية على حد سواء.
لكن ابو حمور يرى أن كل هذه الاجراءات لن تكون قادرة على معالجة المصاعب الاقتصادية الهيكلية لأنها لا تحمل صفة الديمومة ما يتطلب البحث في حلول جذرية تساهم في رفع مستوى معيشة المواطنين وتعزيز الأمن الغذائي والسير قدماً في نهج الاعتماد على الذات من خلال المباشرة في مشاريع تنموية كبرى عبر الشراكة مع القطاع الخاص، وتشجيع المشاريع الريادية واطلاق طاقات الشباب في السير قدماً في إنشاء المشاريع الصغيرة، وهذه الحلول لطالما أكد عليها جلالة الملك في العديد من المناسبات وقد آن الأوان للبدء بترسيخ هذا النهج على أرض الواقع.
وبينت وزارة الصناعة والتجارة ، انها تتابع واقع السوق المحلي بشكل يومي وتتابع التزام التجار بأحكام قانون الصناعة والتجارة، وتقوم فرق الرقابة على الأسواق بجولات صباحية ومسائية للاطمئنان على وفرة السلع والالتزام بأحكام القانون والوقوف على أي اختلالات بما فيها حالات المغالاة بأسعار أي من السلع خاصة الأساسية منها، كما حددت الوزارة سقوفا سعرية للسلع التي ترتفع أسعارها بشكل غير مبرر مثل الزيوت النباتية والدجاج وبعض أصناف الخضار.
الى ذلك يؤكد الناطق الإعلامي باسم دائرة الافتاء العام الدكتور حسان أبو عرقوب، حرمة احتكار الأقوات، بصفته من الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ” رواه مسلم، والخاطئ: العاصي الآثم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون” أخرجه ابن ماجه والحاكم، أي أنّ التاجر الذي يوسّع على الناس ويجلب حوائجهم ويوفّرها مرحومٌ ومرزوق، وأما المحتكر فملعون محروم.
ودعا ابو عرقوب التاجر المؤمن الى أن يوسّع على الناس خاصة في هذا الشهر الفضيل، وليكتف بالربح اليسير، مساعدة لإخوانه من الفقراء والمحتاجين والمعوزين، طلبا للتجارة مع الله تعالى، وهي التجارة الرابحة في الدنيا والآخرة.
وبين الباحث في علم الاجتماع الدكتور محمود الدباس، ان الحالة الطبيعية في تفكير وأفعال اي انسان هو التناغم بين منظومة القيم التي يؤمن بها من جهة والأفعال التي يقوم بها في حياته اليومية. وحذر الدباس من صعوبة المواءمة بين نظومة القيم الدينية والاجتماعية التي يؤمن بها المجتمع وحاجاته الضرورية التي لا يستطيع الاستغناء عنها، مشيرا الى أن عدد الذين يستطيعون الاستمرار في تحمل المعاناة الاقتصادية مع الالتزام بالمنظومتة القيمية الدينية والاجتماعية قد تتراجع كثيرا مع ازدياد مستويات الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار.