اخبار البلد -
روسيا أكبر مُصدر للنفط الخام والغاز، تبلغ صادراتها نحو 7 ملايين برميل يوميا، اي 7% من الإمدادات العالمية؛ حصة الولايات المتحدة الامريكية من النفط الروسي لا تتجاوز الـ 4% من احتياجات السوق الامريكية ما يجعلها الاقل تضررا من العقوبات على النفط الروسي.
اوروبا في المقابل تعد المتضرر الاكبر من القصف الاقتصادي الامريكي؛ ففرنسا تستورد 20% من احتياجاتها من روسيا والمانيا تعتمد بنسبة 70% على الغاز والنفط الروسي وتتوزع النسب بين دول القارة الاوروبية بين 40% و100%.
محدودية الاعتماد الامريكي على النفط الروسي لم تمنع الاسواق العالمية من الاضطراب، ولم تمنع السماسرة من المضاربة، لتقفز الاسعار الـى 138 دولارا للبرميل مع توقعات بأن يصل سعر البرميل إلى 200 او 300 دولار.
القصف الاقتصادي الامريكي لم تقتصر أضراره على الاسعار عالميا، فنيرانه اصابت القارة الاوروبية والحلفاء الغربيين، مهددًا بارتفاع التضخم الى ارقام قياسية لتتخطى في بعض البلدان الـ 10%، رافعا من حدة الضغوط على اليورو والمركزي الاوروبي.
القصف الامريكي وضع اوروبا على حافة المواجهة مع روسيا؛ اذ عزز الشروخ السياسية والاقتصادية، مهددا البنك المركزي الاوروبي بفقدان السيطرة، فهم مطالبون بشن هجمات مماثلة تعجز عنها القارة الاوروبية عنها.
ألمانيا هي الدولة الاكثر تضررا من القصف الاقتصادي الامريكي فبعد ان اوقفت العمل بأنبوب "نورد ستريم 2" يتعرض خط الغاز "نورد ستريم 1" لضغوط قوية خصوصا اذا انضم حلفاؤها في القارة الاوروبية والاتحاد الاوروبي لجهود الحظر النفطي الامريكي.
النيران الامريكية الصديقة لم يقتصر تأثيرها في القطاع الاقتصادي اذ اصابت الساحة السياسية في المانيا بعد ان وجهت اصابع الاتهام الى المستشارة السابقة انجيلا ميركل لتعزيزها الاعتماد على النفط والغاز الروسي، والاخطر من ذلك تلميحات تمس المستشارة واعضاء في النخبة الالمانية تناقش الاسباب التي دفعتهم الى عدم إنشاء محطات للغاز المسال في المانيا، وهو نقاش يذكرنا بإسرائيل وخطورة الاعتماد عليها في قطاع الطاقة والماء في الاردن.
النيران الامريكية الصديقة اصابت المانيا وعموم القارة الاوروبية، وفاقمت الضغوط التي تواجهها النخبة السياسية والاقتصادية الالمانية للبحث عن بدائل للنفط والغاز الروسي؛ النيران الامريكية وان اصابت المانيا في مقتل فإنها فتحت شهية بعض الدول كهولندا وكندا لتقديم نفسها كبديل بعد ان حل رئيس وزراء كندا ترودر ورئيس وزراء هولندا ضيوفا على بوريس جونسن في لندن بوم امس.
أمستردام (هولندا) تطمح الى اعادة تشغيل حقل الغاز الطبيعي "غرونينغن" الذي أوقف العمل به بسبب الزلازل والانهيارات التي تسبب بتدمير عدد كبير من المنازل؛ حقل محاذ للحدود الالمانية يقع شمال غرب هولندا.
فهل ستقبل المانيا بإعادة تشغيل الحقل في طاقته القصوى التي تصل في حال ضخ الاستثمارات اللازمة إلى ما بين 50 مليارا و70 مليار متر مكعب في العام لتعويض الفاقد من الغاز الروسي المتوقع؛ فالحقل حقق هذه الارقام في العام 1978، وحقق ارقاما تقارب 50 مليارا قبل عام من خفض الإنتاج فيه الى 3 مليارات متر مكعب؟
لا يوجد نوايا طيبة في هذا العالم؛ فزيارة رئيس وزراء هولندا ولقائه بوريس جونسن لم يكن عبثًا، فأمستردام باتت اقرب الى لندن منها الى برلين وباريس بين ليلة وضحاها؛ اذ وضعت أمستردام بروكسل خلفها؛ فالنيران الامريكية والبريطانية الصديقة أصابت عاصمة الاتحاد الاوروبي؛ فالقارة تنزف بنيران العقوبات التي تضرب الاقتصاد الروسي، ويتوقع ان يكون لها ارتدادات في الساحة الامريكية ايضا؛ اذ لا الحدود قادرة على وقف الارتدادات الاقتصادية للازمة الاوكرانية، ولا مناشدات بايدن قادرة على وقف المضاربات في الاسواق العالمية.