توجيهي فوبيا
حالة الطوارئ في الأردن بدأت قبل نحو أسبوع على الأقل، لكنها تصل ذروتها اعتبارا من صباح السبت عندما يتوجه حوالي 123 ألف طالب وطالبة من مختلف الفروع إلى قاعات امتحان الثانوية العامة المعروف بالتوجيهي، وكل منهم يتمنى أن يحقق أمنيته بالحصول على العلامات التي تؤهله لدخول الجامعة، وهذا أقصى ما يتمناه الطالب في هذه المرحلة من عمره.
لا نبالغ إذا قلنا أن نصف الشعب الأردني على الأقل معني جدا بهذا الامتحان، فعلاوة على الطلبة الذين يتقدمون للامتحان، هنالك أُسر الطلبة وأقاربهم وأصدقاؤهم وجيرانهم، بالإضافة إلى طواقم التربية والتعليم من مخططين ومتابعين ومراقبين ومصححين، فضلا عن رجال الأمن والصحافة والإعلام، وغيرهم كثير، وجميعهم في حالة ترقب وتوتر وقلق، كل في الجانب الذي يخصه، وهذا يعني أننا فعلا في حالة طوارئ، لكنها غير معلنة رسميا.
مصدر القلق والتوتر لدى الطلبة وذويهم يكمن في ما يمكن أن نسميه "التوجيهي فوبيا"، فالتوجيهي في بلادنا كالسيف البتار، فمن ذهب إلى الجامعات الحكومية فقد فاز، وهم بالمناسبة قليل قياسا بمن لا يحالفهم الحظ أو الواسطة، وأما الآخرون فتتقطع بهم السبل، فمنهم من اجتاز الامتحان لكن معدله لا يؤهله لدخول الجامعة الحكومية، فيتوجه إلى الجامعات الخاصة، هذا إذا كان لدى والديه القدرة المالية لدفع رسوم الجامعة الخاصة، وهو لا شك عبء ينوء بحمله غالبية الناس في الأردن، لكنهم مضطرون إلى ذلك حتى لو كان على حساب قوتهم اليومي، أما من لم يحالفه الحظ باجتياز امتحان التوجيهي، فإما أن يعاود الكرة في الدورة القادمة لعل وعسى يجتازه هذه المرة، أو ياخذها من قصيرها فيبحث له عن عمل، إن كان ذلك ممكنا، وإلا فانه سينضم إلى قوافل العاطلين عن العمل إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، فينطبق عليه عندئذ قول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
هذا لا يعني طبعا أن التعليم في الجامعات الحكومية مجاني، لكنه في العموم اقل تكلفة من الجامعات الخاصة، ثمة بعض التخصصات مكلفة جدا، وتشكل عبئا على العائلات الأردنية، خصوصا متوسطي الدخل ومن هم دون ذلك، لكن الله بيستر الفقر بالعافية.
من الواضح أن معاناة الشعب الأردني ثلاثية الوجوه: أولاهما أن المجتمع الأردني مسكون حد الرعب بهاجس اسمه امتحان التوجيهي، فمتى نتخلص منه؟ لقد تحدث التربويون كثيرا عن بدائل معقولة لامتحان التوجيهي، لكننا لم نلمس حتى الآن توجهاً جديا نحو تغيير هذا النظام الذي يُمسك بتلابيبنا ويتسبب في إرباكنا وغرس الرعب في قلوبنا منذ ستينات القرن الماضي.
أما ثانيهما فهو ارتفاع تكاليف الدراسة في الجامعات الخاصة، الأمر الذي يُثقل كاهل الأسرة الأردنية، خصوصا تلك التي لها أكثر من طالب واحد يدرس في جامعة خاصة، هؤلاء لا نملك إلا أن نقول: كان الله في عونهم. من المعلوم أن الحكومة لا تستطيع التدخل في شؤون الجامعات الخاصة من اجل تخفيض الرسوم، فهي شركات خاصة مستقلة ماليا وإداريا، لكنها تستطيع أن تمنح تراخيص يتم بموجبها فتح جامعات جديدة تنافس الجامعات القائمة على اجتذاب الطلبة، وهو ما سيؤدي حتما إلى تخفيض الرسوم، فضلا عن زيادة فرص العمل لبعض العاطلين عن العمل من مختلف المؤهلات والمستويات.
وثالثهما أن الوظيفة بعد التخرج بعيدة المنال، فها هي طوابير الخريجين تنتظر دورها في ديوان الخدمة المدنية، ومنهم من ينتظر منذ سنين، وربما يكون ترتيبه الأول في قائمة المرشحين ولا زال ينتظر، يعتصره الألم وهو يرى غيره ممن لا أولوية له قد اقترب على التقاعد، بينما هو لا زال على رأس القائمة.
حالة الطوارئ في الأردن بدأت قبل نحو أسبوع على الأقل، لكنها تصل ذروتها اعتبارا من صباح السبت عندما يتوجه حوالي 123 ألف طالب وطالبة من مختلف الفروع إلى قاعات امتحان الثانوية العامة المعروف بالتوجيهي، وكل منهم يتمنى أن يحقق أمنيته بالحصول على العلامات التي تؤهله لدخول الجامعة، وهذا أقصى ما يتمناه الطالب في هذه المرحلة من عمره.
لا نبالغ إذا قلنا أن نصف الشعب الأردني على الأقل معني جدا بهذا الامتحان، فعلاوة على الطلبة الذين يتقدمون للامتحان، هنالك أُسر الطلبة وأقاربهم وأصدقاؤهم وجيرانهم، بالإضافة إلى طواقم التربية والتعليم من مخططين ومتابعين ومراقبين ومصححين، فضلا عن رجال الأمن والصحافة والإعلام، وغيرهم كثير، وجميعهم في حالة ترقب وتوتر وقلق، كل في الجانب الذي يخصه، وهذا يعني أننا فعلا في حالة طوارئ، لكنها غير معلنة رسميا.
مصدر القلق والتوتر لدى الطلبة وذويهم يكمن في ما يمكن أن نسميه "التوجيهي فوبيا"، فالتوجيهي في بلادنا كالسيف البتار، فمن ذهب إلى الجامعات الحكومية فقد فاز، وهم بالمناسبة قليل قياسا بمن لا يحالفهم الحظ أو الواسطة، وأما الآخرون فتتقطع بهم السبل، فمنهم من اجتاز الامتحان لكن معدله لا يؤهله لدخول الجامعة الحكومية، فيتوجه إلى الجامعات الخاصة، هذا إذا كان لدى والديه القدرة المالية لدفع رسوم الجامعة الخاصة، وهو لا شك عبء ينوء بحمله غالبية الناس في الأردن، لكنهم مضطرون إلى ذلك حتى لو كان على حساب قوتهم اليومي، أما من لم يحالفه الحظ باجتياز امتحان التوجيهي، فإما أن يعاود الكرة في الدورة القادمة لعل وعسى يجتازه هذه المرة، أو ياخذها من قصيرها فيبحث له عن عمل، إن كان ذلك ممكنا، وإلا فانه سينضم إلى قوافل العاطلين عن العمل إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، فينطبق عليه عندئذ قول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
هذا لا يعني طبعا أن التعليم في الجامعات الحكومية مجاني، لكنه في العموم اقل تكلفة من الجامعات الخاصة، ثمة بعض التخصصات مكلفة جدا، وتشكل عبئا على العائلات الأردنية، خصوصا متوسطي الدخل ومن هم دون ذلك، لكن الله بيستر الفقر بالعافية.
من الواضح أن معاناة الشعب الأردني ثلاثية الوجوه: أولاهما أن المجتمع الأردني مسكون حد الرعب بهاجس اسمه امتحان التوجيهي، فمتى نتخلص منه؟ لقد تحدث التربويون كثيرا عن بدائل معقولة لامتحان التوجيهي، لكننا لم نلمس حتى الآن توجهاً جديا نحو تغيير هذا النظام الذي يُمسك بتلابيبنا ويتسبب في إرباكنا وغرس الرعب في قلوبنا منذ ستينات القرن الماضي.
أما ثانيهما فهو ارتفاع تكاليف الدراسة في الجامعات الخاصة، الأمر الذي يُثقل كاهل الأسرة الأردنية، خصوصا تلك التي لها أكثر من طالب واحد يدرس في جامعة خاصة، هؤلاء لا نملك إلا أن نقول: كان الله في عونهم. من المعلوم أن الحكومة لا تستطيع التدخل في شؤون الجامعات الخاصة من اجل تخفيض الرسوم، فهي شركات خاصة مستقلة ماليا وإداريا، لكنها تستطيع أن تمنح تراخيص يتم بموجبها فتح جامعات جديدة تنافس الجامعات القائمة على اجتذاب الطلبة، وهو ما سيؤدي حتما إلى تخفيض الرسوم، فضلا عن زيادة فرص العمل لبعض العاطلين عن العمل من مختلف المؤهلات والمستويات.
وثالثهما أن الوظيفة بعد التخرج بعيدة المنال، فها هي طوابير الخريجين تنتظر دورها في ديوان الخدمة المدنية، ومنهم من ينتظر منذ سنين، وربما يكون ترتيبه الأول في قائمة المرشحين ولا زال ينتظر، يعتصره الألم وهو يرى غيره ممن لا أولوية له قد اقترب على التقاعد، بينما هو لا زال على رأس القائمة.