أما آن للأصوات النشاز أن تصمت؟ أما آن لأشباه الرجال أن يتواروا عن المشهد وقد بانت نواياهم وافتضح أمرهم؟ ألم تسمعوا قوله تعالى: ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾؟
لكنّ أمثالكم لا يعرفون التبيّن، بل ينهلون من مستنقعات الزيف والافتراء دون خجل أو وازع.
لا تتظاهر بالنصح وأنت تحمل في داخلك بذور الفجور، فإنّ من امتلأ صدره بالحقد لا يخرج منه إلا القبح. احترم نفسك، فالاحترام لا يُنتزع، بل يُكتسب، ومن فقده لن يجده عند أحد.
نحن نعرف بعضنا جيدًا، فالمكان ضيّق والوجوه مكشوفة، وما عادت الأقنعة تخفي أصحابها. فلا تلبس ثوب النزاهة وأنت مكشوف لمن يعرف الحقيقة.
أما وسائل التواصل، فقد تحولت للأسف إلى ساحة لمن لا خلق له، مرتعًا لكل من يسعى لفتات شهرة على حساب الكرامة، فيملأ الشاشات صراخًا لا قيمة له، وكلمات لا وزن لها.
تذكّر جيدًا: لا منشوراتك تصنع منك قيمة، ولا كلماتك المتهالكة ترفعك مكانة.
الحق لا يُعرف بالصراخ، ولا الرجولة تُقاس بعدد من يصفق لك من الجهلاء.
الناس يختلفون بين العلن والسر، وكثير من الوجوه سرعان ما تسقط عنها الأقنعة، والحقيقة لا تلبث أن تنكشف مهما حاولت التستر.
من المؤسف ما نراه من سفاهة في الفكر وانحطاط في الخلق، ولكن لا عجب، فكل إناء بما فيه ينضح، وبعض القلوب لا تنبض إلا بالكراهية والحقد.
ندرك تمامًا ما يُكتب ولماذا يُكتب، والمقاصد لا تحتاج لتأويل، فالكلمات الخبيثة لا تُخفي سوء النية ولا تداري فساد الغاية.
لسنا في موقع تصفية حسابات، ولا يشرفنا أن ننزل لمستوى من اعتاد التلون والتسلق، فالقيمة لا تُفرض، والشرف لا يُدّعى، ومهما حاول القرد أن يتجمل، فلن يراه العاقل إلا كما هو.
نعم، نحن في زمن الرويبضة، حين تجرأ التافهون واعتلوا المنابر، وملأوا الصفحات بأحاديث لا تحمل سوى الضجيج والتفاهة.
كثر اللغو، وفاحت رائحة الأكاذيب، وتطاول من لا خُلق لهم بادعاءات واتهامات باطلة، فيما الحقيقة واضحة كالشمس.
ولمن يظن نفسه شيئًا، نقول: ما أنتم إلا سُفهاء، تنشرون الفتنة وتثيرون القلاقل، والعاقل يرى فيكم خفة وسقوطًا لا أكثر.
الأغلبية باتت تعرف حقيقتكم، وتدرك أنكم أصحاب مصالح شخصية ضيقة، تسيرون بمنهج السمسرة لا الصدق، والمناورة لا الوضوح.
ونطالب الجهات المعنية أن تضع حدًا لهذه الممارسات، وأن تُلزم من يُلقي التهم بإثبات ما يقول، حتى لا تتحول الأمور إلى عبث وابتزاز رخيص.
ومن لا يملك دليلاً، فإن محاسبته واجبة، حمايةً للمجتمع من الفتن وأصحاب الأجندات المسمومة.
لقد بلغ بنا الضيق مبلغًا لا يُحتمل من أصحاب الشعارات الزائفة، الذين يتلونون بحسب المصالح، ويبدلون مواقفهم كما يُبدلون الأقنعة..