المصالحة بين فتح وحماس
الكاتب : سلطان الخضور
بداية لم أشأ ان اكتب مقالتي هذه تحت عنوان" المصالحة الفلسطينية " لسبب بسيط وهو رغبتي في التاكيد على ان الخلاف او المصالحة بين فصيلين ليس معناهما الخلاف او المصالحة بين الشعب الفلسطيني ، وبكلمات أخرى رغبتي في حصر الخلاف والمصالحة بين "حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح "و "حركة المقاومة الإسلامية حماس " حتى لا يندرج تحت هذا العنوان الشعب الفلسطيني برمته. فالمصالحة الفلسطينية كعنوان -حسب وجهة نظري -توحي للقارئ الكريم ان الشعب االفلسطيني هو الذي يختلف او يتصالح مع نفسه . إلا ان ذلك بالتاكيد يجافي الحقيقة لان الخلاف لا يتعدى خلافا بين فصيلين من الفصائل الفلسطينية ، ومن يدور في فلك هذا الفصيل او ذاك. مع اعترافنا المسبق ان الفصيلين المعنيين هما الاكبر والكثر شعبية وتأثيرا على مجمل الأحداث التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية سواءُ في الداخل او الخارج .
فالشعب الفلسطيني شعب متصالح مع نفسه يدرك جيدا ما يريد، وله أهداف محددة ، وهي التخلص من الاحتلال ، واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها . وان هذا الشعب مستعد ان يسلك كل الدروب، واكثرها وعورة إذا كان من شأنها ان تساعده في الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف ، ، وسيقدم الشكر الجزيل ،ويعلن الصداقة الأبدية ،ويعترف بالجميل لكل من يساعده في الوصول إلى هذه الأهداف ،
وثانيا نود ان نسجل أن الفصيلين محور الحديث هما الفصيلين الرئيسيين في منظومة الفصائل الفلسطينية، وهما حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح" وحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" هما الاقدر على ممارسة اللعبة الديمقراطية على الارض الفلسطينية ، بحكم استيعابهما للعدد الاكبر من مجموع أفراد الشعب المنتمين للفصائل الفلسطينية . فهما الفصيلان المؤهلان للعب دور الحزب الحاكم، وحزب المعارضة بشكل جيد . لسبب بسيط وهو اتساع الفجوة التي تفصل بينهما في التكتيك مع التقائهما إلى حد ما في الأستراتيجية .
لم تكن أسباب الخلاف منذ البداية مقنعة لابناء الشعب الفلسطيني، سواء في الداخل او في الشتات. فكل من الطرفين يدعي انه يملك من الحكمة ما تكفيه لقيادة المرحلة. وان الحقيقة الغائبة عن الشعب تحت جنبيه . فالسلطة ممثلة بحركة فتح ترى ان سلمية المقاومة ، والابتعاد عن العسكرة والمفاوضات ، هي الطريق الامثل والاقل كلفة في الوصول إلى الهدف . وحركة حماس ترى عدم جدوى المفاوضات ، وان المقاومة هي السبيل الوحيد للوصول الى الهدف ، والشعب الفلسطيني حائر تتلاطمه الامواج الفتحاوية والحمساوية من كل جانب , فقد بات الشعب بالتالي يعاني من اليأس والعقد التي تولدت لديه نتيجة الخلاف الذي طال بين الفصيلين ، فلم يكن احد ليساله أو يستشيره ، وصناديق الاقتراع تم اقفالها منذ كان الخلاف لانها قد تفرز نتائج لم تكن في الحسبان ، ولم تعد الديمقراطية التي أذهلت العالم تمارس مرة أخرى ،وبات الشعب تواق أن يرى التجربة التي تفاخر بها أمام العالم تتكرر مرة أخرى.
والخاسر الاول والاخير في معادلة الخلاف هي القضية الفلسطينية ، والشعب الذي عقد الأمل على قياداته في أن يرى وطنه محررا، وأن يرى دولته تقام على ترابه الوطني ، ويتحقق حلمه في دولة مستقلة ، اسوة بباقي الشعوب ، أخذ يبتعد عن الامل شيئا فشيئا بنسبة تتناسب طردياً مع شدة الخلاف . والرابح الاكبر والوحيد طوال هذه السنوات العجاف هو العدو الصهيوني الذي ينتهز الفرص ، ليبتلع الارض ويمحو معالمها ما استطاع ، ويهجر السكان ،ويهود الاماكن المقدسة .
مضى على الاتفاق الذي تم ابرامه في مكة المكرمة برعاية سعودية حوالي ست سنوات . انقضت هذه السنوات بعدم قدرة الطرفين على تطبيقه على ارض الواقع ، فالدم الفلسطيني الذي تم الاتفاق على تحريمه في الاتفاق المذكور تم هدره ، والاعتقالات زادت وتيرتها , والحكومة الوطنية لم ترى النور , ومنظمة التحرير ما زالت تترنح، لا حول لها ولا قوة ، ولم يتم تطويرها ،والمجلس الوطني تم تجميده ، والشراكة السياسية بين الطرفين لم تكن لترى النور , وبات الخلاف السياسي والايدولوجي يزداد عمقا مع مرور الزمن .وباتت المحطات الفضائية أرضا خصبة لتبادل الإتهامات .
تم استغلال حالة الخلاف هذه من قبل أعداء الوطن والشعب والوحدة ، وتم استثمار تبادل الإتهامات لتعميق فجوة الخلاف ، ولم يقتصر الأمر على العدو المشترك المعروف وهو الإحتلال، بل تعداه إلى كل من لا يريدون لا بفلسطين ولا بالشعب الفلسطيني خيراً , فاخذت بعض الدول بالتعامل مع الانقسام وكانه امر نهائي لا رجعة عنه , فبدأ اعداء القضية يدعمون هذا الطرف او ذاك ،كل حسب مصالحه , ومنهم من اناب نفسه عن الطرف الصهيوني العدو الحقيقي للمصالحة , وكرس كل جهده وماله لتعميق الانقسام وتعزيزه كأمر واقع , فظهر مصطلحات "شعب غزه" "وفلسطينيو غزه" "وفلسطينيو الضفة" كمصطلحات مقصودة الهدف منها تعميق حالة الإنقسام في الوجدان الفلسطيني , وتكريسه كأمر واقع ، فأخذ الأعداء يتعاملون مع كل وحدة من الوحدتين الجغرافيتين كوحدة مستقلة عن الأخرى ،وكأن لا تجانس سكاني بينهما ، ونسوا بل تناسوان أن وحدة الهدف ووحدة المصير هما الرابط الأقوى، وأن فصلت بينهما قوة الإحتلال. وما زاد الطين بله هو خضوع قادة الطرفين للضغوط الخارجية ، واستخادامهما سياطا غليظه لجلد الذات ، فاستغل العدو هذه الحالة لقضم مزيدا من الأرض، والتنكيل بسكانها، واقتلاع اشجارها وتهجير سكانها وتهويد مقدساتها .
هذه الحالة التي استمرت هذه الفترة الطويلة ولّدت حالة من التشكيك من قبل الشعب الفلسطيني بقياداته، وخلفت حاله من اليأس والإحباط المختلط بالخجل ، مما كان يراه من ممارسات على أرض الواقع ،كانت تكرس نظرية فيثاغوروس الرياضية التي مفادها " ان الفرقين قد سلكا خطين متوازيين لا يلتقيا مهما امتدا. وللأمانة نقول أن اي من القيادتين لم تستطع ان تقنع الأغلبية الصامتة من الشعب الفلسطيني أن أسباب الصراع وطول أمده يخرج من دائرة التفكير بالمصالح الخاصة لكل منهما , ويتعدى دائرة التنافس والصراع على السلطة .
على الطرفين ان يدركا ان مصلحة الشعب الفلسطيني هي الأساس , وان مصلحة الشعب الفلسطيني في الوحدة وليس في الإنقسام ، وان ما يهم الشعب هو عدم الرضوخ للضغوط الخارجية غربية كانت ام شرقية , وان الوصول الى حالة من التشاركية وتوزيع الادوار، هو السبيل الأمثل للخلاص من هذه الحالة , فقد مل الشعب الأملاءات الأجنبية ، وبالأحرى مل من المفاوضات العبثية ومل من الضغوطات المالية ،ومل من التدخلات العربية والأجنبية التي عجزت عن تحقيق المصالحة ، وعملت على تكريس الإنقسام والفرقة، وظهرت بمظهر المتعاطف مع الشعب الفلسطيني لتحقيق هذا الهدف فكلمة الحق التي يراد بها باطل هي التي غلفت بعض السياسات العربية والسياسات الأجنبية في مرحلة الإنقسام .فالسلطة عصرت القضية الفلسطينية ،وقدمت العصارة على طاولة المفاوضات ليلتهمها الطرف الإسرائيلي ،فكانت سببا في توسع معدته، وتفتحت قريحته لقضم الأرض والبحث عن سبل انهاك الجسم الفلسطيني للإنقضاض عليه , وحماس تولدت لديها قناعة ، أن حالة الإنقسام ، وبعدها عن الضفة الغربية لن يؤدي إلى تحرير . والطرفان سوياً ادركا ان السبيل الوحيد للوصول إلى الهدف هو الوحدة والتخلص من حالة الإنقسام , فالثورات العربية خلقت الفرصة الأمثل للتخلص من التبعية وتغيير مسار البوصلة نحو التخلص من الإحتلال ، عن طريق بناء مؤسسات وطنية تتوازى مع وجود هذه الثورات التي نشبت كالبراكين في وجه الظلم والإستبداد.
ها نحن نستبشر خيراً بما يرشح من القاهرة من توجه نحو المصالحة بين الفصيلين . وما رشح يشير إلى الوصول الى اتفاقات عملية يمكن التأسيس عليها لبناء حالة من الثقة المتبادلة امر يستحق التقدير . إلا أن الأهم هو أعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، ودخول حماس والجهاد إالى عضوية المنظمة إضافة إالى الفصائل التسع التي تنتمي للمنظمة سيكسب المنظمة قوة ويعطيها مساحة أكبر للتعاطي مع الأحداث المحلية والعربية والدولية ، وسيضيف زخما جديدا للمنظمة ، حيث سيندرج تحت مظلتها كل مكونات الطيف السياسي الفلسطيني ، مما يفسح مجالا أوسع لتبادل الرأي ويعطي مساحة أكبر للحوار، والتعددية السياسية ، ويساعد في توسيع مساحة الخيارات المتاحة للمنظمة والسلطة .أضف إلى ذلك اختيار الأكاديمي الفلسطيني رامي حمد الله ليرأس لجنة الإنتخابات هو اختيار موفق ، فخبرات الرجل الأكاديمية والأدارية والمالية وسعة افقه وتجاربه ، ستسهم في تعزيز الثقة وستساعد في إجراء انتخابات تشريعية ورآسية ، بعيدة عن التشكيك في النتائج .
إلا اننا نرى ان تغيب الشتات الفلسطيني عن مشهد المصالحة و مشهد إعادة بناء المنظمة والمجلس الوطني ، وتغييب الفصائل المنشقة عن المنظمة أو عن الحركة، وعدم إشراك قادة الفكر والرأي من المستقليين الفلسطينين في الوطن والشتات ، سيقلل من فرص النجاح وتطبيق الإتفاق في المستقبل ، وسيقلل من مساحة الأرض المشتركة التي يبحث عنها الجميع . فقد باتت الحاجة ملحة لعقد مؤتمر وطني فلسطيني، يعقد خارج الوطن يتاح فيه لجميع مكونات الشعب الفلسطيني الحضور والمشاركة، جنبا إلى جنب مع قادة التنظيمات والفصائل ، للوصول إلى مشروع يتوافق عليه الجميع، يحقق الحد الأدنى من مصالح الجماعات والأفراد، ويلامس سقف التطلعات التي يريدها الشعب ، ليكون الجميع حريصين على ديمومته واستمراره وتطبيقه , مؤتمر يعتمد حرية إبداء الرأي ويبتعد بالقضية الفلسطينية عن الأجندات الخارجية، مؤتمر توضع فيه الأوراق على الطاولة ، يسهم المشاركون فيه في رسم خارطة طريق جديدة ، تضع في حساباتها المتغيرات العربية والدولية ،وتضع على سلم أولوياتها الآمال العريضة التي بناها الشعب وأودعها في عهدة قادته، والتي دفع ثمناً لها من دماء إبنائه ، ،ولا يكون ذلك إلا بإعادة بناء المنظمة والمجلس الوطني والمجلس التشريعي ,على أسس ديمقراطية بعيدا عن المحاصصة والشخصنة .
الكاتب : سلطان الخضور
الكاتب : سلطان الخضور
بداية لم أشأ ان اكتب مقالتي هذه تحت عنوان" المصالحة الفلسطينية " لسبب بسيط وهو رغبتي في التاكيد على ان الخلاف او المصالحة بين فصيلين ليس معناهما الخلاف او المصالحة بين الشعب الفلسطيني ، وبكلمات أخرى رغبتي في حصر الخلاف والمصالحة بين "حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح "و "حركة المقاومة الإسلامية حماس " حتى لا يندرج تحت هذا العنوان الشعب الفلسطيني برمته. فالمصالحة الفلسطينية كعنوان -حسب وجهة نظري -توحي للقارئ الكريم ان الشعب االفلسطيني هو الذي يختلف او يتصالح مع نفسه . إلا ان ذلك بالتاكيد يجافي الحقيقة لان الخلاف لا يتعدى خلافا بين فصيلين من الفصائل الفلسطينية ، ومن يدور في فلك هذا الفصيل او ذاك. مع اعترافنا المسبق ان الفصيلين المعنيين هما الاكبر والكثر شعبية وتأثيرا على مجمل الأحداث التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية سواءُ في الداخل او الخارج .
فالشعب الفلسطيني شعب متصالح مع نفسه يدرك جيدا ما يريد، وله أهداف محددة ، وهي التخلص من الاحتلال ، واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس ، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها . وان هذا الشعب مستعد ان يسلك كل الدروب، واكثرها وعورة إذا كان من شأنها ان تساعده في الوصول إلى تحقيق هذه الأهداف ، ، وسيقدم الشكر الجزيل ،ويعلن الصداقة الأبدية ،ويعترف بالجميل لكل من يساعده في الوصول إلى هذه الأهداف ،
وثانيا نود ان نسجل أن الفصيلين محور الحديث هما الفصيلين الرئيسيين في منظومة الفصائل الفلسطينية، وهما حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح" وحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" هما الاقدر على ممارسة اللعبة الديمقراطية على الارض الفلسطينية ، بحكم استيعابهما للعدد الاكبر من مجموع أفراد الشعب المنتمين للفصائل الفلسطينية . فهما الفصيلان المؤهلان للعب دور الحزب الحاكم، وحزب المعارضة بشكل جيد . لسبب بسيط وهو اتساع الفجوة التي تفصل بينهما في التكتيك مع التقائهما إلى حد ما في الأستراتيجية .
لم تكن أسباب الخلاف منذ البداية مقنعة لابناء الشعب الفلسطيني، سواء في الداخل او في الشتات. فكل من الطرفين يدعي انه يملك من الحكمة ما تكفيه لقيادة المرحلة. وان الحقيقة الغائبة عن الشعب تحت جنبيه . فالسلطة ممثلة بحركة فتح ترى ان سلمية المقاومة ، والابتعاد عن العسكرة والمفاوضات ، هي الطريق الامثل والاقل كلفة في الوصول إلى الهدف . وحركة حماس ترى عدم جدوى المفاوضات ، وان المقاومة هي السبيل الوحيد للوصول الى الهدف ، والشعب الفلسطيني حائر تتلاطمه الامواج الفتحاوية والحمساوية من كل جانب , فقد بات الشعب بالتالي يعاني من اليأس والعقد التي تولدت لديه نتيجة الخلاف الذي طال بين الفصيلين ، فلم يكن احد ليساله أو يستشيره ، وصناديق الاقتراع تم اقفالها منذ كان الخلاف لانها قد تفرز نتائج لم تكن في الحسبان ، ولم تعد الديمقراطية التي أذهلت العالم تمارس مرة أخرى ،وبات الشعب تواق أن يرى التجربة التي تفاخر بها أمام العالم تتكرر مرة أخرى.
والخاسر الاول والاخير في معادلة الخلاف هي القضية الفلسطينية ، والشعب الذي عقد الأمل على قياداته في أن يرى وطنه محررا، وأن يرى دولته تقام على ترابه الوطني ، ويتحقق حلمه في دولة مستقلة ، اسوة بباقي الشعوب ، أخذ يبتعد عن الامل شيئا فشيئا بنسبة تتناسب طردياً مع شدة الخلاف . والرابح الاكبر والوحيد طوال هذه السنوات العجاف هو العدو الصهيوني الذي ينتهز الفرص ، ليبتلع الارض ويمحو معالمها ما استطاع ، ويهجر السكان ،ويهود الاماكن المقدسة .
مضى على الاتفاق الذي تم ابرامه في مكة المكرمة برعاية سعودية حوالي ست سنوات . انقضت هذه السنوات بعدم قدرة الطرفين على تطبيقه على ارض الواقع ، فالدم الفلسطيني الذي تم الاتفاق على تحريمه في الاتفاق المذكور تم هدره ، والاعتقالات زادت وتيرتها , والحكومة الوطنية لم ترى النور , ومنظمة التحرير ما زالت تترنح، لا حول لها ولا قوة ، ولم يتم تطويرها ،والمجلس الوطني تم تجميده ، والشراكة السياسية بين الطرفين لم تكن لترى النور , وبات الخلاف السياسي والايدولوجي يزداد عمقا مع مرور الزمن .وباتت المحطات الفضائية أرضا خصبة لتبادل الإتهامات .
تم استغلال حالة الخلاف هذه من قبل أعداء الوطن والشعب والوحدة ، وتم استثمار تبادل الإتهامات لتعميق فجوة الخلاف ، ولم يقتصر الأمر على العدو المشترك المعروف وهو الإحتلال، بل تعداه إلى كل من لا يريدون لا بفلسطين ولا بالشعب الفلسطيني خيراً , فاخذت بعض الدول بالتعامل مع الانقسام وكانه امر نهائي لا رجعة عنه , فبدأ اعداء القضية يدعمون هذا الطرف او ذاك ،كل حسب مصالحه , ومنهم من اناب نفسه عن الطرف الصهيوني العدو الحقيقي للمصالحة , وكرس كل جهده وماله لتعميق الانقسام وتعزيزه كأمر واقع , فظهر مصطلحات "شعب غزه" "وفلسطينيو غزه" "وفلسطينيو الضفة" كمصطلحات مقصودة الهدف منها تعميق حالة الإنقسام في الوجدان الفلسطيني , وتكريسه كأمر واقع ، فأخذ الأعداء يتعاملون مع كل وحدة من الوحدتين الجغرافيتين كوحدة مستقلة عن الأخرى ،وكأن لا تجانس سكاني بينهما ، ونسوا بل تناسوان أن وحدة الهدف ووحدة المصير هما الرابط الأقوى، وأن فصلت بينهما قوة الإحتلال. وما زاد الطين بله هو خضوع قادة الطرفين للضغوط الخارجية ، واستخادامهما سياطا غليظه لجلد الذات ، فاستغل العدو هذه الحالة لقضم مزيدا من الأرض، والتنكيل بسكانها، واقتلاع اشجارها وتهجير سكانها وتهويد مقدساتها .
هذه الحالة التي استمرت هذه الفترة الطويلة ولّدت حالة من التشكيك من قبل الشعب الفلسطيني بقياداته، وخلفت حاله من اليأس والإحباط المختلط بالخجل ، مما كان يراه من ممارسات على أرض الواقع ،كانت تكرس نظرية فيثاغوروس الرياضية التي مفادها " ان الفرقين قد سلكا خطين متوازيين لا يلتقيا مهما امتدا. وللأمانة نقول أن اي من القيادتين لم تستطع ان تقنع الأغلبية الصامتة من الشعب الفلسطيني أن أسباب الصراع وطول أمده يخرج من دائرة التفكير بالمصالح الخاصة لكل منهما , ويتعدى دائرة التنافس والصراع على السلطة .
على الطرفين ان يدركا ان مصلحة الشعب الفلسطيني هي الأساس , وان مصلحة الشعب الفلسطيني في الوحدة وليس في الإنقسام ، وان ما يهم الشعب هو عدم الرضوخ للضغوط الخارجية غربية كانت ام شرقية , وان الوصول الى حالة من التشاركية وتوزيع الادوار، هو السبيل الأمثل للخلاص من هذه الحالة , فقد مل الشعب الأملاءات الأجنبية ، وبالأحرى مل من المفاوضات العبثية ومل من الضغوطات المالية ،ومل من التدخلات العربية والأجنبية التي عجزت عن تحقيق المصالحة ، وعملت على تكريس الإنقسام والفرقة، وظهرت بمظهر المتعاطف مع الشعب الفلسطيني لتحقيق هذا الهدف فكلمة الحق التي يراد بها باطل هي التي غلفت بعض السياسات العربية والسياسات الأجنبية في مرحلة الإنقسام .فالسلطة عصرت القضية الفلسطينية ،وقدمت العصارة على طاولة المفاوضات ليلتهمها الطرف الإسرائيلي ،فكانت سببا في توسع معدته، وتفتحت قريحته لقضم الأرض والبحث عن سبل انهاك الجسم الفلسطيني للإنقضاض عليه , وحماس تولدت لديها قناعة ، أن حالة الإنقسام ، وبعدها عن الضفة الغربية لن يؤدي إلى تحرير . والطرفان سوياً ادركا ان السبيل الوحيد للوصول إلى الهدف هو الوحدة والتخلص من حالة الإنقسام , فالثورات العربية خلقت الفرصة الأمثل للتخلص من التبعية وتغيير مسار البوصلة نحو التخلص من الإحتلال ، عن طريق بناء مؤسسات وطنية تتوازى مع وجود هذه الثورات التي نشبت كالبراكين في وجه الظلم والإستبداد.
ها نحن نستبشر خيراً بما يرشح من القاهرة من توجه نحو المصالحة بين الفصيلين . وما رشح يشير إلى الوصول الى اتفاقات عملية يمكن التأسيس عليها لبناء حالة من الثقة المتبادلة امر يستحق التقدير . إلا أن الأهم هو أعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، ودخول حماس والجهاد إالى عضوية المنظمة إضافة إالى الفصائل التسع التي تنتمي للمنظمة سيكسب المنظمة قوة ويعطيها مساحة أكبر للتعاطي مع الأحداث المحلية والعربية والدولية ، وسيضيف زخما جديدا للمنظمة ، حيث سيندرج تحت مظلتها كل مكونات الطيف السياسي الفلسطيني ، مما يفسح مجالا أوسع لتبادل الرأي ويعطي مساحة أكبر للحوار، والتعددية السياسية ، ويساعد في توسيع مساحة الخيارات المتاحة للمنظمة والسلطة .أضف إلى ذلك اختيار الأكاديمي الفلسطيني رامي حمد الله ليرأس لجنة الإنتخابات هو اختيار موفق ، فخبرات الرجل الأكاديمية والأدارية والمالية وسعة افقه وتجاربه ، ستسهم في تعزيز الثقة وستساعد في إجراء انتخابات تشريعية ورآسية ، بعيدة عن التشكيك في النتائج .
إلا اننا نرى ان تغيب الشتات الفلسطيني عن مشهد المصالحة و مشهد إعادة بناء المنظمة والمجلس الوطني ، وتغييب الفصائل المنشقة عن المنظمة أو عن الحركة، وعدم إشراك قادة الفكر والرأي من المستقليين الفلسطينين في الوطن والشتات ، سيقلل من فرص النجاح وتطبيق الإتفاق في المستقبل ، وسيقلل من مساحة الأرض المشتركة التي يبحث عنها الجميع . فقد باتت الحاجة ملحة لعقد مؤتمر وطني فلسطيني، يعقد خارج الوطن يتاح فيه لجميع مكونات الشعب الفلسطيني الحضور والمشاركة، جنبا إلى جنب مع قادة التنظيمات والفصائل ، للوصول إلى مشروع يتوافق عليه الجميع، يحقق الحد الأدنى من مصالح الجماعات والأفراد، ويلامس سقف التطلعات التي يريدها الشعب ، ليكون الجميع حريصين على ديمومته واستمراره وتطبيقه , مؤتمر يعتمد حرية إبداء الرأي ويبتعد بالقضية الفلسطينية عن الأجندات الخارجية، مؤتمر توضع فيه الأوراق على الطاولة ، يسهم المشاركون فيه في رسم خارطة طريق جديدة ، تضع في حساباتها المتغيرات العربية والدولية ،وتضع على سلم أولوياتها الآمال العريضة التي بناها الشعب وأودعها في عهدة قادته، والتي دفع ثمناً لها من دماء إبنائه ، ،ولا يكون ذلك إلا بإعادة بناء المنظمة والمجلس الوطني والمجلس التشريعي ,على أسس ديمقراطية بعيدا عن المحاصصة والشخصنة .
الكاتب : سلطان الخضور