وكما للفساد وجوه مغطاة بمساحيق التجميل والإغراء، فإن للفتنة وجوها أيضا تبدي جمالا وحُسنا ورونقا؛ فالفساد لم ينجح ويستشري، في بلدنا الأغلى، إلا بعد أن أخفى حقيقة قبحه وبشاعة منظره بشيء من المغريات كوعود السراب في تحقيق حياة فضلى بعد بيع أصول ومؤسسات الوطن التي كانوا يدعون أنها خاسرة، فوعدوا باستدراج المستثمرين ورؤوس الأموال لتشغيل العاطلين عن العمل وتوفير فرص أفضل، عندما يتراكض المستثمرون نحو الأردن يضخون أموالهم في إقامة المشاريع التي ستجلب الخير لكلّ من المستثمر وأبناء البلد، حتى وإن كانت من أبسط الأمور إلى أكثرها تعقيدا، أي من الهامبورغر والكنتاكي والبيتزا والماكدونالز وليس انتهاء بالكازينوهات والأبراج وخصخصة المناطق الحرة وغير الحرة. بل وقد يصل الأمر إلى خصخصة الحمامات الشعبية في مجمعات السفريات بعد استدراج شريك استراتيجي أوروبي أو أمريكي لإدارتها.
وأما الفتنة، فأقنعتها لا تقل بشاعة وخبثا عن صِنْوها الفساد؛ فالفساد والفتنة صنوان متلازمان كفسيلتي علقم ودفلى ترتويان من عين حَمِئة. وإذا كان الفساد يتاجر بالدرهم والدينار، فإن الفتنة تتاجر بالدم وخراب الديار، وتسعى حثيثا صباح مساء في اقتناص أي فرصة سانحة لإشعال نارها وسعيرها بين أوس وخزرج، بل وبين أوس وبنيه، وكذلك بين خزرج ومن يليه من أبناء وحفدة. فالفتنة فاتنة بوجهها المزيف؛ فتارة تدهن قبحها بقناع الإصلاح، وتارة أخرى بقناع محاربة الفساد، وأما في جحورها وأوكارها المغلقة فإنها تخلع هذه الأقنعة التي تخدع بها الآخرين لتكون على حقيقتها من سوء منظر ودناءة مخبر. والفتنة قاتلة كأفعى ذات رؤوس عدة، تنساب بين الشقوق تبحث عن أرض لينة، أو تربة غير متماسكة تنفث فيها كشيشها وفحيحها. وما الفتنة إلا مخدّر أو مُسكر ؛ تغري بالنشوة والبهجة بداية، ولكن ما إن يُدْمن عليها فلا خلاص منها إلا بعد أن تشرِّد وتستبيح المال والعِرض، وتهلك الحرث والنسل قتلا ودما وندما. لذا، قد ينجرّ الشريف بحسن نيته إلى مواطن الزلل وهو واهم، وقد يرتاد المصلح مكامن الشرر والضرر وهو حالم، وكل منهما سيجد نفسه في مستنقع من رمال متحركة تسحبه رويدا رويدا نحو الهاوية.
وإذا عرّجنا بنظرنا إلى ما يدور حولنا ببصيرة قبل البصر، وإذا قلبنا صفحات سود من تاريخنا، فسنجد دون أدنى شكّ أن أول ما يواجهنا من وجوه الفتنة هو فتنتها وحسنها، فيقبل الحالمون والواهمون يقودهم المتصيدون وغزاة الفكر والتوجيه إلى توسيع مداها لتصيب سهامها ورماحها كل خاصرة في الوطن. وهنا سرعان ما نشرّع السيوف في وجوه بعضنا، فننقسم فورا إلى عبس وذبيان، أو إلى بكر وتغلب، فينحرف بعضنا إلى جحافل الزير سالم، في حين يميل بعضنا الآخر إلى كتائب جساس، فنقتتل كأننا ما عبدنا معا ربا واحدا، وتلتحم شبارينا وخناجرنا كأننا ما تلونا معا قرآنا واحدا، ونتدافع كأننا ما شربنا من بئر واحدة في يوم ما. كل هذا سيجري والبسوس ترخي جدائلها سعيدة هانئة بعد أن دقت عطر منشم بين الأخوة والأقارب وأبناء العشيرة الواحدة والبلد الواحد والوطن الواحد. أسقطت البسوس دمعة واحدة متظلمة، ولكن أبناء العمومة أسالوا أودية من دموع ودم أريق لم يستطيعوا له دفعا أو صدّا؛ فشرور الفتنة إن بدأت صعب إيقافها بسبب اختلاط الحمية والعصبية وقصر النظر وتسلل الأفاعي و(الحيايا) بين المتخاصمين، فيقع المحذور وعندئذٍ وما إن تسيل نقطة دم واحدة- لا قدّر الله تعالى- حتى يكون من المستحيل إيقاف مسيل نقط أخرى، لأن الفتنة حينها ستخلع قناع الزيف لتظهر على بشاعتها، ولكن بعد أن بُتِرَت أصابُعنا التي كنا نودّ لو بقيت كي نعضها ندما وحسرة.
فهل عادت البسوس وناقتها ؟!!!!!!!!!!!!!
وكأني ألمحها تمشي الهوينا تبحث عن مرعى تستبيحه.
وأما الفتنة، فأقنعتها لا تقل بشاعة وخبثا عن صِنْوها الفساد؛ فالفساد والفتنة صنوان متلازمان كفسيلتي علقم ودفلى ترتويان من عين حَمِئة. وإذا كان الفساد يتاجر بالدرهم والدينار، فإن الفتنة تتاجر بالدم وخراب الديار، وتسعى حثيثا صباح مساء في اقتناص أي فرصة سانحة لإشعال نارها وسعيرها بين أوس وخزرج، بل وبين أوس وبنيه، وكذلك بين خزرج ومن يليه من أبناء وحفدة. فالفتنة فاتنة بوجهها المزيف؛ فتارة تدهن قبحها بقناع الإصلاح، وتارة أخرى بقناع محاربة الفساد، وأما في جحورها وأوكارها المغلقة فإنها تخلع هذه الأقنعة التي تخدع بها الآخرين لتكون على حقيقتها من سوء منظر ودناءة مخبر. والفتنة قاتلة كأفعى ذات رؤوس عدة، تنساب بين الشقوق تبحث عن أرض لينة، أو تربة غير متماسكة تنفث فيها كشيشها وفحيحها. وما الفتنة إلا مخدّر أو مُسكر ؛ تغري بالنشوة والبهجة بداية، ولكن ما إن يُدْمن عليها فلا خلاص منها إلا بعد أن تشرِّد وتستبيح المال والعِرض، وتهلك الحرث والنسل قتلا ودما وندما. لذا، قد ينجرّ الشريف بحسن نيته إلى مواطن الزلل وهو واهم، وقد يرتاد المصلح مكامن الشرر والضرر وهو حالم، وكل منهما سيجد نفسه في مستنقع من رمال متحركة تسحبه رويدا رويدا نحو الهاوية.
وإذا عرّجنا بنظرنا إلى ما يدور حولنا ببصيرة قبل البصر، وإذا قلبنا صفحات سود من تاريخنا، فسنجد دون أدنى شكّ أن أول ما يواجهنا من وجوه الفتنة هو فتنتها وحسنها، فيقبل الحالمون والواهمون يقودهم المتصيدون وغزاة الفكر والتوجيه إلى توسيع مداها لتصيب سهامها ورماحها كل خاصرة في الوطن. وهنا سرعان ما نشرّع السيوف في وجوه بعضنا، فننقسم فورا إلى عبس وذبيان، أو إلى بكر وتغلب، فينحرف بعضنا إلى جحافل الزير سالم، في حين يميل بعضنا الآخر إلى كتائب جساس، فنقتتل كأننا ما عبدنا معا ربا واحدا، وتلتحم شبارينا وخناجرنا كأننا ما تلونا معا قرآنا واحدا، ونتدافع كأننا ما شربنا من بئر واحدة في يوم ما. كل هذا سيجري والبسوس ترخي جدائلها سعيدة هانئة بعد أن دقت عطر منشم بين الأخوة والأقارب وأبناء العشيرة الواحدة والبلد الواحد والوطن الواحد. أسقطت البسوس دمعة واحدة متظلمة، ولكن أبناء العمومة أسالوا أودية من دموع ودم أريق لم يستطيعوا له دفعا أو صدّا؛ فشرور الفتنة إن بدأت صعب إيقافها بسبب اختلاط الحمية والعصبية وقصر النظر وتسلل الأفاعي و(الحيايا) بين المتخاصمين، فيقع المحذور وعندئذٍ وما إن تسيل نقطة دم واحدة- لا قدّر الله تعالى- حتى يكون من المستحيل إيقاف مسيل نقط أخرى، لأن الفتنة حينها ستخلع قناع الزيف لتظهر على بشاعتها، ولكن بعد أن بُتِرَت أصابُعنا التي كنا نودّ لو بقيت كي نعضها ندما وحسرة.
فهل عادت البسوس وناقتها ؟!!!!!!!!!!!!!
وكأني ألمحها تمشي الهوينا تبحث عن مرعى تستبيحه.