عندما تتنافس الأحزاب على أصوات الناخبين في انتخابات عامة يشهدها بلد ديمقراطي، فإن ما يقوله المرشحون، عبر وسائل الإعلام المختلفة، لا يعكس فقط السوية السياسية لهم، ولكنه أيضاً يشرح طريقتهم في جلب الاهتمام، وجذب المؤيدين، والحصول على أصواتهم.
في 26 من سبتمبر (أيلول) الحالي، ستجرى الانتخابات البرلمانية في ألمانيا، وهي انتخابات ذات أهمية خاصة؛ إذ يتحدد بمقتضاها اسم مستشار الدولة وطبيعة الحكومة، بعد اعتزال المستشارة أنجيلا ميركل، التي أمضت 16 سنة في المنصب.
ورغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة تمنح كلاً من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ - الذي تنتمي إليه ميركل - حظوظاً متقاربة وتحصر احتمالات الفوز بينهما، فإن كياناً سياسياً حديث التكوين يتقدم في الساحة السياسية باطراد، وتتزايد شعبيته كقوى معارضة رئيسية يوماً بعد يوم.
يتمثل هذا الكيان الجديد في الحزب اليميني الشعبوي «البديل من أجل ألمانيا»، وهو حزب تشكل في عام 2013، ثم سرعان ما احتل نحو 90 مقعداً في «البوندستاغ» في انتخابات 2017، ليعارض من خلالها المحافظين والديمقراطيين الاشتراكيين، عبر تبنيه خطابات يمينية متطرفة ومواقف سياسية حادة؛ مثل الدعوة إلى ترك الاتحاد الأوروبي، ومعاداة الإسلام والمهاجرين.
لا يمكن استبعاد تأثير وسائل «التواصل الاجتماعي» عند الحديث عن الأسباب التي ساعدت «البديل» على تحقيق هذا الصعود المطرد والتمركز في الوسط السياسي الألماني. إذ يؤكد الحزب نفسه ذلك، كما تفيد دراسات وبحوث موثوقة وآراء خبراء متخصصين، أن لتلك الوسائل دوراً حاسماً في تعزيز فرص هذا الحزب.
لم يتوقف الإعلام عن لعب أدوار مهمة وحاسمة في تشكيل الصور، وفي حمل الناس على التصويت في اتجاه معين في الانتخابات عبر العصور. إذ يتفق الباحثون المتخصصون على أن التغطية الإعلامية للعمليات السياسية والاجتماعية المختلفة تلعب دوراً كبيراً في تشكيل اتجاهات الجمهور تجاه تلك العمليات، بشكل ربما يفوق تأثير بعض المؤثرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحيوية الأخرى.
لكن الإعلام المواكب للعملية الانتخابية في بلد مثل ألمانيا ليس هو فقط الإعلام النظامي الذي يتمثل في الصحف والفضائيات والمواقع الإخبارية والإذاعات، وهي وسائل تخضع لعمليات ضبط وتقييم أداء، لضمان التزامها معايير النزاهة والمهنية المطلوبة، ولكنه أيضاً يتجسد في الإطار غير النظامي، الذي تمثله منصات «التواصل الاجتماعي» وفضاءات «الإنترنت».
لقد ثبت أن تلك الوسائط الجديدة كانت مدخلاً لمعظم التدخلات السافرة في الانتخابات العامة التي أجريت أخيراً في دول مختلفة. بل إن تقارير موثوقة لمنظمات بحثية مستقلة أفادت بأن تلك التدخلات ما زالت تلعب دوراً مشبوهاً في توجيه العمليات السياسية والانتخابية في عديد البلدان، إلى حد أضحت تمثل «استراتيجية أساسية لأولئك الذين يسعون إلى تقويض الديمقراطية في مناطق العالم المختلفة».
تؤكد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في بيان لها عن دور الإعلام في الانتخابات، «أن حرية الإعلام أمر حيوي لتوفير المعرفة للمواطنين، إذ تتيح فرصة تشكيل الرأي العام، واكتشاف أفكار القادة السياسيين ومواقفهم، وتوفر لجميع الأطراف الفرصة من أجل المشاركة في النقاش السياسي الحر الذي هو من صميم مفهوم المجتمع الديمقراطي وآلية الانتخاب».
فهل ينطبق هذا المفهوم الإيجابي على الدور الذي تلعبه وسائط «التواصل الاجتماعي» في الحالة الانتخابية الألمانية؟ يبدو أن الإجابة ستكون: لا.
وعلى سبيل المثال، فإن شعاراً انتخابياً أطلقه المحافظون مثل «الحماية الذكية للمناخ مهمة مشتركة» لم يحظ بقدر مناسب من الاهتمام والتفاعل على تلك الوسائط، بينما حصد شعار لحزب «البديل» يقول «ألمانيا تتحول إلى جمهورية موز» تفاعلاً كبيراً ورواجاً لافتاً.
يعتمد حزب «البديل»، شأنه في ذلك شأن غيره من الحركات اليمينية والشعبوية المتطرفة، خطاباً حاداً يركز على العواطف، ويستثمر في المخاوف والغضب، ويزرع الكراهية، ويخلق نسق معلومات مُضللاً. وتأتي آليات التعرض على وسائط «التواصل الاجتماعي»، ومعها تقنية الخوارزميات، لكي تعزز فاعلية هذا الخطاب وتثيبه بالاهتمام والانتشار والتفاعل.
يقول ماركوس شميت، مسؤول الاتصال في «البديل»، إن حزبه لم يكن لينجح بهذه السرعة من دون «فيسبوك»، وهو أمر مشابه لما كان دونالد ترمب قد قاله في 2017 عن دور «تويتر» في حمله إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة.
لا يبدو أن حزب «البديل» لديه الحظوظ الكافية لكسب تلك الانتخابات، لكنه بات كياناً مؤثراً ورقماً مهماً لا يمكن تجاوزه في الحالة السياسية الألمانية، ولقد لعبت وسائل «التواصل الاجتماعي» الدور الأهم في تحقيق ذلك، وهي تواصل هذا السعي في دول أخرى من عالمنا.
في 26 من سبتمبر (أيلول) الحالي، ستجرى الانتخابات البرلمانية في ألمانيا، وهي انتخابات ذات أهمية خاصة؛ إذ يتحدد بمقتضاها اسم مستشار الدولة وطبيعة الحكومة، بعد اعتزال المستشارة أنجيلا ميركل، التي أمضت 16 سنة في المنصب.
ورغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة تمنح كلاً من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ - الذي تنتمي إليه ميركل - حظوظاً متقاربة وتحصر احتمالات الفوز بينهما، فإن كياناً سياسياً حديث التكوين يتقدم في الساحة السياسية باطراد، وتتزايد شعبيته كقوى معارضة رئيسية يوماً بعد يوم.
يتمثل هذا الكيان الجديد في الحزب اليميني الشعبوي «البديل من أجل ألمانيا»، وهو حزب تشكل في عام 2013، ثم سرعان ما احتل نحو 90 مقعداً في «البوندستاغ» في انتخابات 2017، ليعارض من خلالها المحافظين والديمقراطيين الاشتراكيين، عبر تبنيه خطابات يمينية متطرفة ومواقف سياسية حادة؛ مثل الدعوة إلى ترك الاتحاد الأوروبي، ومعاداة الإسلام والمهاجرين.
لا يمكن استبعاد تأثير وسائل «التواصل الاجتماعي» عند الحديث عن الأسباب التي ساعدت «البديل» على تحقيق هذا الصعود المطرد والتمركز في الوسط السياسي الألماني. إذ يؤكد الحزب نفسه ذلك، كما تفيد دراسات وبحوث موثوقة وآراء خبراء متخصصين، أن لتلك الوسائل دوراً حاسماً في تعزيز فرص هذا الحزب.
لم يتوقف الإعلام عن لعب أدوار مهمة وحاسمة في تشكيل الصور، وفي حمل الناس على التصويت في اتجاه معين في الانتخابات عبر العصور. إذ يتفق الباحثون المتخصصون على أن التغطية الإعلامية للعمليات السياسية والاجتماعية المختلفة تلعب دوراً كبيراً في تشكيل اتجاهات الجمهور تجاه تلك العمليات، بشكل ربما يفوق تأثير بعض المؤثرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحيوية الأخرى.
لقد ثبت أن تلك الوسائط الجديدة كانت مدخلاً لمعظم التدخلات السافرة في الانتخابات العامة التي أجريت أخيراً في دول مختلفة. بل إن تقارير موثوقة لمنظمات بحثية مستقلة أفادت بأن تلك التدخلات ما زالت تلعب دوراً مشبوهاً في توجيه العمليات السياسية والانتخابية في عديد البلدان، إلى حد أضحت تمثل «استراتيجية أساسية لأولئك الذين يسعون إلى تقويض الديمقراطية في مناطق العالم المختلفة».
تؤكد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في بيان لها عن دور الإعلام في الانتخابات، «أن حرية الإعلام أمر حيوي لتوفير المعرفة للمواطنين، إذ تتيح فرصة تشكيل الرأي العام، واكتشاف أفكار القادة السياسيين ومواقفهم، وتوفر لجميع الأطراف الفرصة من أجل المشاركة في النقاش السياسي الحر الذي هو من صميم مفهوم المجتمع الديمقراطي وآلية الانتخاب».
فهل ينطبق هذا المفهوم الإيجابي على الدور الذي تلعبه وسائط «التواصل الاجتماعي» في الحالة الانتخابية الألمانية؟ يبدو أن الإجابة ستكون: لا.
وعلى سبيل المثال، فإن شعاراً انتخابياً أطلقه المحافظون مثل «الحماية الذكية للمناخ مهمة مشتركة» لم يحظ بقدر مناسب من الاهتمام والتفاعل على تلك الوسائط، بينما حصد شعار لحزب «البديل» يقول «ألمانيا تتحول إلى جمهورية موز» تفاعلاً كبيراً ورواجاً لافتاً.
يعتمد حزب «البديل»، شأنه في ذلك شأن غيره من الحركات اليمينية والشعبوية المتطرفة، خطاباً حاداً يركز على العواطف، ويستثمر في المخاوف والغضب، ويزرع الكراهية، ويخلق نسق معلومات مُضللاً. وتأتي آليات التعرض على وسائط «التواصل الاجتماعي»، ومعها تقنية الخوارزميات، لكي تعزز فاعلية هذا الخطاب وتثيبه بالاهتمام والانتشار والتفاعل.
يقول ماركوس شميت، مسؤول الاتصال في «البديل»، إن حزبه لم يكن لينجح بهذه السرعة من دون «فيسبوك»، وهو أمر مشابه لما كان دونالد ترمب قد قاله في 2017 عن دور «تويتر» في حمله إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة.
لا يبدو أن حزب «البديل» لديه الحظوظ الكافية لكسب تلك الانتخابات، لكنه بات كياناً مؤثراً ورقماً مهماً لا يمكن تجاوزه في الحالة السياسية الألمانية، ولقد لعبت وسائل «التواصل الاجتماعي» الدور الأهم في تحقيق ذلك، وهي تواصل هذا السعي في دول أخرى من عالمنا.