يتصدر تجديد الخطاب الديني أجندات السعودية ومصر مؤخراً، وإذا كانت السعودية بدأت بالحديث عن مراجعة أحاديث الآحاد فإن الرئيس المصري توجه إلى نقطة أبعد كثيراً وهو يتحدث عن إعادة صياغة الفهم للمعتقد ككل، وعلاوة على ذلك تتكاثر الدراسات والأبحاث المنشورة من مراكز بحثية توجهت إلى التخصص في مجال تجديد الخطاب الديني.
يرى البعض أن الحديث عن هذه القضية متأخر نوعاً ما، ويرى آخرون أن نوازع التجديد سياسية في المقام الأول منفصلة عن واقع الشعوب العربية والإسلامية، وفي وسط ذلك كله، تتغيب المساهمة الأردنية التي أتت في مرحلة مبكرة وبمقاربة خاصة جداً، ذلك أن الملك عبد الله الثاني تصدر الحديث عن الوجه الحقيقي للإسلام بعد تصاعد الكراهية والإسلام- فوبيا في الغرب في أعقاب سبتمبر 2001، وركزت مشاركته في العديد من المؤتمرات والمحافل الدولية على التحذير من اختطاف الإسلام وفهمه من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية، وكانت رسالة عمان التي أعلنت سنة 2004 من أوائل الوثائق التي تصدت لهذه القضايا في حقبة ساخنة شهدت تصاعداً للتطرف والعنف في العراق قبل انتقالها إلى سورية وسيناء وليبيا ومالي وغيرها من الدول.
الأردن يمتلك دعوته المبكرة والعميقة لتجديد الخطاب الديني، ولنقل الناضجة أيضاً لأنها لا تدعي من حيث المبدأ المشكلة في النصوص الإسلامية ولا تسعى إلى إسقاط الوعي بأثر رجعي على التراث الإسلامي، وإنما تتوجه عملياً إلى التاريخ الإسلامي الذي يمكن أن يشكل أرضاً خصبة للتفكير وإعادة الفهم، فالرؤية الأردنية لا تضع الإسلام نفسه في موضع التمحيص أو موقع الدفاع عن النفس، ولكنها تقدم الوجه الآخر المتضمن بوضوح في النصوص الإسلامية المؤسسة فيكون الإسلام في موضع الثقة والندية في مقاربته التي انطلقت من عمان، وتتحدث الرسالة عن ضرورة تواجد الثقة في الذات لتكون أساساً لإطلاق الشخصية المسلمة التي تستطيع أن تندمج في العالم من خلال البحث العلمي والعلوم المعاصرة والتكنولوجيا تجاه تحقيق رؤية إسلامية في مجال التنمية الشاملة وتحقيق الكرامة والأمن للأفراد.
كل ما تقدم يدفع للتساؤل عن مؤسسات إعلامية كثيرة وأخرى ثقافية تنتمي إلى الدولة الأردنية تعيش حالة من التجاهل لدور الأردن المركزي في تجديد الخطاب الديني، بل ومسؤوليته التاريخية والحضارية والتي تستطيع أن تعبر عن كل ما تحقق من منجزات وطنية في العقود الأخيرة على مستويات التعليم وبناء الوعي، وبجانب ذلك، ما يمكن أن يضاف إلى قوة الأردن الناعمة في التأثير في محيطه وأدواته في مخاطبة العالم.
تحمل الأردن كثيراً وسط سياسة الاستقطاب العربية من أجل بقائه بعيداً عن المغامرات الإقليمية، وهذه المرحلة يجب أن تركز على رسملة المنجزات والتضحيات الأردنية وتحويلها إلى أدوار مركزية للأردن، والقوة الناعمة أساسية في هذه العملية، وهي ليست من مسؤوليات المؤسسات العميقة في الدولة بقدر ما هي مسؤولية لأدوات أخرى جرت العادة على تهميشها وتنحيتها جانباً مثل الإعلام والثقافة.
التصدي لهذه القضية في هذه المرحلة وفي ضوء المعطيات العالمية فرصة كبيرة للأردن من أجل التواجد على خريطة التأثير والبناء على خطابه الذي أتى مبكراً وقبل أن تتحول المراجعة وإعادة التفكير إلى موجة بعد الربيع العربي وأحداثه، ومهما كانت الجهود الدبلوماسية مثمرة فإنه يتوجب وجود حلقة أخرى من الأداء تجاه تعزيز المكتسبات في لحظة تاريخية مواتية لذلك.