مرة أخرى ينتصر الملك ويعبر المنعطف الحاد من دون أية مغامرة أو حركة خطيرة، ليثبت قدرته الاستثنائية على قيادة الوطن في جميع المراحل، فإعلان الديوان الملكي عن الأراضي التي تم نقلها من ملكية الخزينة إلى ملكية الديوان والأسباب الحقيقية وراء هذه الخطوة، والتي أساسها الرغبة الملكية في تذليل الصعوبات وتجاوز العقبات أمام أي مشروع تنموي، وبهذه الخطوة استطاع جلالة الملك إضافة درس جديد في كراسة الحكم في باب قدرة النظام على الحكم والتحرك وإحداث التغيير المطلوب للتقدم للأمام.
فجلالة الملك كان قادراً على التقاط ذبذبات المزاج العام، وكان مدركاً أن إحدى أهم خطط الرافضة هي الدخول إلى المنطقة المحرمة وهي العلاقة بين المواطن والعرش، لـ(تلعب) بخبث، أملاً في تفكيك العلاقة الخاصة والفريدة بين المواطن والعرش في الأردن، عبر ما تكيل من الانتقادات والادعاءات بأمل إحداث تشققات طولية وعرضية في علاقة المواطن والعرش، أو خلق حالة من عدم اليقين كافية كي تتسلل من خلالها وبث آرائها ومواقفها من دون أن يتم فحصها أو التدقيق فيها، لتتحول مع الأيام إلى حقائق لا يطالها السؤال أو التشكيك.
إن ما قام به الديوان الملكي من كشف للحقائق أظهر واحداً من أبرز مكامن القوة في المرحلة المقبلة، وهو أن الأردنيين على مختلف مشاربهم الفكرية والعَقَدية، وعلى اتساع طيفهم الاجتماعي والسياسي، قد تأكدوا من أن العرش الهاشمي هو الوحيد القادر على طرح جميع القضايا بمسؤولية وشفافية ولا يوجد لديه ما يخبئه أو ما يخشى الكشف عنه وبالتالي فهو الضمانة الوحيدة للشعب والدولة، بل هو القيمة المضافة الحقيقية للدولة الأردنية، وأن الجميع، دون استثناء، يرى دائماً أن الإصلاح يبدأ حين يطلقه العرش ويتبناه، فهو قائد الحراك الأردني وضابط إيقاعه، وهو الملجأ الأول والأخير للأردنيين.
ونحن ندرك جميعنا، بل نؤمن، أن الإرادة السياسية الصادقة المتوافرة لدى جلالة الملك بإحداث الإصلاح هي حجر الزاوية في النجاح كما أنها عنصر الضمانة الأكيد لاستكمال هذه المسيرة.
الدرس الملكي الذي قدمه عبد الله الثاني ليس موجهاً فقط لمن تخندق ضد الوطن والعرش ونسي لماذا تخندق، فظل في خندقه غير قادر على الخروج منه وغير قادر على الحياة فيه، بل هو درس يجب أن يقرأه قادة الدول في المنطقة وخارجها، كيف أنه حين يمتلك الحاكم الشرعية الحقيقية التي لا يطالها الباطل والبيعة الصادقة والموثوقة، فإنه لا يستل السلاح كي يسفك دماء شعبه، بل يكون قادراً على التعامل مع الأمور بهدوء وروية ويتحرك قدماً نحو الإصلاح من دون تردد أو انفعال، فيكتب صفحة جديدة في التاريخ بالحب لا بالدم.
في الوقت الذي كانت فيه الرافضة تحيك المؤامرة في ليل مدلهم لتفكيك الروابط بين الثالوث الأردني المقدس (المواطن والعرش والدولة)، كان جلالة الملك يحارب ظلام الرافضة بنور الحقيقة واليقين، ويحمي الوطن من الدسائس والمؤامرات، عبر أدوات سياسية قل امتلاك نظيرها، عبر اجتراح حلول استثنائية أدهشت الخصوم والرافضة وأفرحت الأردنيين فالسياسة فن وحكمة وموقف ورأي معجونة بدهاء.
الصدق الملكي وضع أطراف المعادلة الرفضويين في مأزق حقيقي، وهو ما قد يدفع قوى الرافضة لتتحالف لا إرادياً ومن دون اتفاقات أو ترتيبات مسبقة في محاولة منها لعرقلة مسيرة الإصلاح، حتى لا يتم كشف مدى الزيف الرفضوي، وكلٌ لمصالحه الخاصة، فـ(الرافضة) حاولت محاربة الإصلاح الذي قاده جلالة الملك تحت شعارات وإدعاءات عدة، إلا أن هذه الشعارات والادعاءات لم تعد موجودة أو قابلة للحياة، ورغم ذلك فالرافضة ستستمر في خطتها (الشيطانية) لاستنزاف الدولة، ولكن هذه المرة قد تلجأ إلى مدرسة الكوميديا الهابطة في إنتاج (فيلمها) الجديد والذي سيتم عرضه للعموم ابتداءً من يوم الجمعة، وأقترح عليها أن يكون اسم (فيلمها) الجديد (أنا بضيع يا وديع).
عبد الله الثاني.. ودرس جديد في كرّاسة (الحكم)
أ.د. يوســــــف الدرادكــــــــــة
أخبار البلد -