أرسل لي صديق مقالاً طويلاً كتبه مايكل هيرش في الفورين پوليسي ٢/٤/٢٠٢١ عن العالمة الأميركية جنيفر دودنا من جامعة كاليفورنيا/بيركلي الحائزة عَلى جائزة نوبل للكيميا ٢٠٢٠ التي شاركت في أبحاث التقنيات الجديدة لتعديل الجينات للوقاية من السرطان وبعض الامراض الوراثية، التي ما فتئت البشرية تنفق على معالجتها أموالاً طائلة لكن بنجاح محدود لا يوازي العذابات المبرحة التي تفوق قدرة الإنسان على تحملها بدون استخدام المخدرات حد الإدمان قبل النهاية البائسة..
في ٥/٦/١٩٩٧ أي قبل أربعة وعشرين عاماً كتبتُ مستبشراً حول نفس التوجه ».. في تصريح هام احتل صدر نشرة الأخبار من إذاعة لندن العالمية دوّى في سمعي صوت عالم أميركي كبير يشغل وظيفة رئيس المعهد الوطني للسرطان وهو يعلن عن منعطف تاريخي في مكافحة السرطان بالتحول إلى أبحاث الوقاية بدل المعالجة التي كلفت أميركا عشرات البلايين من الدولارات دون جدوى، وأكد بشجاعة انه سوف يصمد في وجه الهجوم الشرس الذي سوف تشنه عليه المؤسسة الطبية الكبرى في القطاع الخاص التي تضم الأطباء والمستشفيات والصيادلة ومصانع الأدوية والاجهزة الطبية لأنها سوف تُحرم من أرباح طائلة تجنيها من معالجة السرطان دوائياً وشعاعياً لو تم، فالتوصل إلى إنتاج أمصال تقاومه وتقي الناس من شره، كما حدث سابقاً في الانتصار على الجدري وعلى أمراض الطفولة القاتلة كالدفتيريا والسعال الديكي وشلل الأطفال والكزاز والحصبة والنكاف، أو لتمنع - هذه الأمصال - حدوثه أصلاً بتغيير الجينات او التحكم فيها...»، وهو ما تسعى لإنجازه الآن العالمة الأميركية جنيفر دودنا وزملاؤها وزميلاتها بعد ربع قرن من وعد رئيس معهد السرطان في أميركا على الـ BBC!
في بداية انتشار وباء الكورونا في العام الماضي حاولتْ بعض شركات الأدوية ان تروّج لعقارات قديمة استُعملت لأمراض اخرى بزعم انها قد تنفع في معالجة الكورونا وساعدها في ذلك زوراً حتى الرئيس الأميركي السابق ترامب! ويومها أكدنا ككل العارفين والمختصين أن لا دواء منقذاً سوى اللقاح، وعلى الدول والشركات الدوائية الكبرى ان تبذل مزيداً من الجهد والمال في أبحاثها لصنع الأمصال المضادة لكنها ظلت تتلكأ وتتباطأ حتى حققت ارباحاً طائلة ببيع أكبر كمية من الأدوية القديمة كالكلور وكوين (دواء الملاريا) والمضاد الحيوي سيبروفلوكساسين وهي تعرف تماماً انها لا تشفي! الى ان بدأت تظهر بوادر انتاج المطعوم الصيني فقفزت مصانع الغرب إلى الساحة وأنتجت لقاحاتها الواحد تلو الآخر.
وبعد.. فان إنقاذ البشرية من السرطان والأوبئة الفيروسية وسواها، وقد بتنا نعرف جيداً الطريق الصحيح إليه، لا يجوز أن يبقى معلقاً فقط على تمنياتنا للصناعات الدوائية بالتوجه في أبحاثها إلى تقنيات التعديل الجيني، لأنها لن تستجيب ما دامت غارقة منشغلة بالربح السهل السريع والمستمر من بيع الأدوية غير الجذرية، بل ينبغي تكاتف العالم من أجل إخراج هذه الصناعة تحديداً من هيمنة اقتصاد السوق وتحريرها من الاحتكار الذي ترعاه اتفاقية التجارة العالمية، ووضعها بدلاً من ذلك تحت إشراف منظمة الصحة العالمية وفق عهد دولي جديد.. عندها سوف تفعل.