سؤال طرحته صحيفة «التايمز» البريطانية، مباشرة بعد دخول المُدمرة البريطانية (Defender) المياه الإقليمية لشبه جزيرة القرم الروسية التي لا تعترِف دول الغرب بعودتها الى قوام الاتحاد الروسي.
وإذ حمّلت موسكو مسؤولية «التصعيد» الذي تمثل في إطلاق سفينة روسية طلقات تحذيرية في اتجاه المدمّرة البريطانية, كذلك اطلاق طائرة حربية قوية من طراز سوخوي27 النيران في مسار طريقها، فإنها انما كانت تستعيد الترويج للخطاب الغربي المعادي لروسيا, على نحو قرّر فيه محرّر الشؤون الدبلوماسية في الصحيفة البريطانية العريقة تحميل الرئيس الروسي بوتين شخصياً مسؤولية «إحباط اي أمل في استعادة علاقة موسكو مع الغرب, خاصّة عندما «حوّل» بوتين المياه المُتقلّبة للبحر الأسود الى.. ساحة معركة»، وِفق الصحيفة.
وإذ يصعب تجاهل الأسباب الحقيقية للتوتّر المتدحرج الذي يميز علاقات الغرب بروسيا, خاصّة مع وصول الرئيس الأميركي بايدن الى البيت الأبيض, ووجود بوريس جونسون في 10 داوننغ ستريت، ما يبعث التشاؤم باحتمال حدوث انفراج في علاقات الغرب بروسيا, رغم التفاؤل النِسبي الذي ساد بعد قمّة جنيف بين بوتين/وبايدن، فإن من السذاجة الاعتقاد بـ"عفوية» ما قامت به المدمّرة البريطانية من استفزاز مقصود بذاته ولذاته للجانب الروسي, إن لجهة الإعلان البريطاني بأن المدمّرة إنما كانت تُبحِر في المياه الإقليمية الأوكرانية (في تجاهل مُتكرّر للاستفتاء الذي جرى في القرم والذي حاز على تأييد ازيد من 97% من سكانها, أم خصوصاً لجهة التصعيد العسكري الغربي, سواء من قِبل دول حلف الأطلسي أم لمخطط عسكرة البحر الأسود وتواصل المناورات العسكرية بين واشنطن والدول المشاطئة للبحر الأسود وخصوصاً تلك المناورات الضخمة التي تشارك فيها دول غير أطلسية, الى جانب معظم دول أوروبا الشرقية التي كانت جزءاً من الفضاء السوفياتي, ما يثير حفيظة موسكو ويدفعها الى عدم التهاون في كبح هذه الموجة العاتية والمتدحرجة التي تقودها الولايات المتحدة/وبريطانيا عبر تحريض أوكرانيا للتحرّش بروسيا, وتقديم المزيد من الأسلحة والعتاد الحربي المتطوّر للجيش الأوكراني, وسط دعوات هستيرية تقودها الجماعات اليمينية/والفاشية في كييف لضم أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي (ما تعتبره موسكو خطّاً أحمر لا يمكن القبول به, وإذا ما حصل ذلك فلن يفضي إلاّ الى تفكّك أوكرانيا, كما أعلن أكثر من مسؤول روسي وأوّلهم بوتين).
ردود الفعل الروسية الغاضبة والمحذرة من مغبة تكرار تجربة المدمّرة البريطانية, عكست ضمن أمور أخرى حزماّ روسياً لكبح «التجربة» البريطانية, التي لا يمكن التعاطي معها على أنها مجرّد خطأ وسوء تقدير من قائد المدمّرة, الذي أصدر قرار خرق مياه روسيا الإقليمية, بذريعة انها مياه أوكرانية, لأن «تمرير» الكرملين لهذا الاستفزاز, سيعني تقويض الاستفتاء والإذعان للقراءة الغربية/العدوانية/التوسعية, على نحو سيؤدي الى اكتمال سيناريو تطويق روسيا, ووضع العاصِمة موسكو خصوصاً تحت رحمة الصواريخ النووية متوسطة المدى الأميركية التي انسحبت واشنطن من معاهداتها.
جملة القول.. تبدو موسكو غاضبة هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى، وتبدي إصراراً على عدم السماح بتكرار «بالون الاختبار» الذي قامت به المدمّرة البريطانية. وما تحذيراتها المُتكرّرة برد صارم حدود قصف اي سفينة حربية, وليس مجرد إطلاق طلقات تحذيرية، وإعلانها خصوصاً أنها تراقب من بارجة أميركية عبرت البحر الأسود مؤخّراً, سوى تأكيد على أن الغرب يتحمل مسؤولية الانزلاق الى حرب, قد تبدأ بحذر لكنها لن تقف عند حدود الاشتباك الرمزي, الذي قد يُفضي الى مساومة أو حلول وسط. خاصّة اذا ما اخذنا في الاعتبار المناورات العسكرية التي قرّرتها موسكو في البحر المتوسط, قرب حاملة الطائرات البريطانية كوين إليزابيث.