«عندما تقترض المال فإن الشرط الذي غالبًا ما يفرضونه هو أن يكون لهم يدٌ في إدارة اقتصاد البلاد ومواردها المالية»، مهاتير محمد.
في العام 1799 وقف نابليون على أسوار عكا العصية، ونظر شرقًا ثم أطلق دعوته لاستدعاء كل يهود العالم لاستيطان فلسطين، فقد أراد وطنًا مشوهًا يحقق مصالح الغرب ويضعف العرب ويفصل شرقه عن غربه، وفي العام 1840 وجه اللورد بالمستون وزير الخارجية الإنجليزي رسالة إلى سفيره في إسطنبول قال فيها: إذا استقر اليهود في فلسطين فإن ذلك سيخولنا استخدام اليهود كمخلب قط ضد العرب والدولة العثمانية.
وقد تحقق لهم ما أرادوه، وقد يفسر ذلك إفلاس لبنان، والحرب الأهلية في سوريا، والحالة المعيشية المستحيلة التي يعيشها المصريون، ووصول مديونيتنا إلى سبعة وأربعين مليار دولار.
قبل عشرة أعوام بالتمام والكمال كتبت مقالة عن مديونية الأردن، وكانت آنذاك تكاد تلامس العشرين مليار دولار، وها أنا اليوم أكتب عن نفس الموضوع مع فارق كبير، فالمديونية قد وصلت إلى سبعة وأربعين مليار دولار، ومع هذا فإن البنية التحتية قد تراجعت، ومئات الآلاف من الأردنيين مطلوبون للتنفيذ القضائي، والرواتب بالكاد تغطي إيجارات المنازل، ومستوى الأجور لم يتغير كثيرًا منذ آنذاك، والبطالة قد وصلت إلى أعلى مستوى لها 40%، فكما أن مقالتي آنذاك لم يُلقِ أحدٌ لها بالاً، فهذه المقالة أيضًا لن يُلقى لها بالٌ، ولعلّي أكون قد عرفت السبب!
هنالك نظرية تسمى نظرية الحمقى A**holes : A Theory لأستاذ الفلسفة جيمس أيرون، وتدّعي هذه النظرية أن فشل دول عديدة مردة إلى سيطرة سياسيين واقتصاديين حمقى.
يُعرف هؤلاء الحمقى بأنهم يعتقدون أنهم متفوقون، ولا يرغبون بسماع وجهات نظر مخالفة لهم أو الإنصات إلى شكاوى المواطنين، وعادةً ما يعتقدون بأنهم ذوو قدرات أعلى من الآخرين، فلا يتعين عليهم اتباع قواعد سياسية واقتصادية معروفة ومجربة، وشخصيتهم متمحورة حول الأنا والنرجسية وتضخيم الذات.
والحمقى هؤلاء قد يكونون من المحافظين أو الليبراليين، وعادةً ما يكون الأكثر حماقةً منهم أصحاب شهادات الجامعات المرموقة الذين يتحدثون اللغة الإنجليزية بطلاقة، ويتعاملون مع التكنولوجيا بحرفية عالية.
والأحمق هذا هو الذي ينظر للأقل منه بازدراء، ويؤمن بأنه لا حد للإثراء الشخصي، ولا اعتبار للضرر الذي يلحقه بالآخرين بقراراته الخاطئة، وفي العادة قرارات الحمقى تصب في صالح الأغنياء على حساب الفقراء.
أعتقد أن هؤلاء الحمقى قد بدأوا بالظهور على الساحة قبيل الانهيار الاقتصادي في العام 1989، عندما بدأنا نسمع بمصطلح الرأسمالية وتشجيع الاستثمار الأجنبي والبنك الدولي والعمالة الرخيصة والخصخصة، وطفوا على السطح حين بيعت أصول البلد، وارتفعت الأراضي في المحافظات بعد إطلاق مشاريع تنموية كاذبة.
وكانت الخطيئة الكبرى حين تزاوج المال بالسياسة، فتوسع الاقتراض بشكل كبير للغاية، ثم تبين أن شطره قد ذهب إلى "ملاذات آمنة"، وتحولت وسائل الإعلام إلى أبواق لرؤوس الأموال والساسة، تحمي مصالحهم ولا تسلط الضوء على المشاكل الحقيقية في المجتمع، وأصبحت هناك عائلات تتحكم في الاقتصاد.
ولغاية الآن لم تنتبه أية حكومة لهذا الخطر، وكل ما سمعناه مجرد عنتريات فارغة من مسؤولين حمقى تسببوا في هذا الدمار، أجابوا بسذاجة ونرجسية عن أسئلة محاوريهم، أو أبدوا إعجابهم بهم!
للأسف فهذا زمن الحمقى.