هل يفكر الرئيس بايدن على طريقة رئيسه الأسبق أوباما أم على طريقة الرئيس أيزنهاور قبل أكثر من 70 عاماً؟
من الصعب الإجابة عن هذا السؤال حالياً، لأن الوقت لعب دوراً حاسماً في تشكيل رؤيتي الرئيسين السياسيتين فيما يخص منطقة الشرق الأوسط. الرئيس أوباما لم تتغير مواقفه من البداية وحتى النهاية، لقد أراد اتفاقاً مع إيران وأن يحوّل أو يعدّل في التحالفات القديمة حتى آخر يوم في حكمه. لقد عبر بوضوح عن ذلك عندما سُئل في آخر أيامه عن السبب الذي يدعوه لاتخاذ هذا المسلك الذي يغضب الحلفاء، ولكنه انتقدهم بتسميتهم «الراكبين بالمجان»، وطالبهم بمشاركة المنطقة مع طهران. على عكس من الرئيس أوباما، كان الرئيس أيزنهاور الذي بدأ برؤية سياسية باردة تجاه الحلفاء وانتهى بأخرى دافئة، ولكن بعد مرور 5 سنوات.
من الصعب الإجابة عن هذا السؤال حالياً، لأن الوقت لعب دوراً حاسماً في تشكيل رؤيتي الرئيسين السياسيتين فيما يخص منطقة الشرق الأوسط. الرئيس أوباما لم تتغير مواقفه من البداية وحتى النهاية، لقد أراد اتفاقاً مع إيران وأن يحوّل أو يعدّل في التحالفات القديمة حتى آخر يوم في حكمه. لقد عبر بوضوح عن ذلك عندما سُئل في آخر أيامه عن السبب الذي يدعوه لاتخاذ هذا المسلك الذي يغضب الحلفاء، ولكنه انتقدهم بتسميتهم «الراكبين بالمجان»، وطالبهم بمشاركة المنطقة مع طهران. على عكس من الرئيس أوباما، كان الرئيس أيزنهاور الذي بدأ برؤية سياسية باردة تجاه الحلفاء وانتهى بأخرى دافئة، ولكن بعد مرور 5 سنوات.
قصة الرئيس أوباما حديثة ومعروفة، ولكن ما قصة الرئيس أيزنهاور؟ في كتاب مهم للعالم السياسي مايك دوران بعنوان «مقامرة آيك»، يشرح تفاصيل هذا التحول المثير في السياسة الخارجية من محاولة كسب حليف غير موثوق وخسارة في الوقت ذاته أصدقاء أوفياء إلى موقف مغاير.
عندما وصل أيزنهاور للبيت الأبيض في بداية الخمسينات كان يرى العالم على هذه الصورة: القوى «الاستعمارية» راحلة عن الشرق الأوسط وقوى التحرر القومية صاعدة، وعليه أن يختار بين المعسكرين، إذا أراد أن يحافظ على مصالح الولايات المتحدة، الراحلين أم الصاعدين. واجه أيزنهاور في وقتها إشكاليتين؛ الأولى أن الراحلين أو المتراجعين، بحسب تصوره، هم حلفاء واشنطن، الفرنسيون والبريطانيون والإسرائيليون، وبالوقت ذاته أراد كسب الرئيس عبد الناصر كحليف، وبالتالي استقطابه إلى دائرة النفوذ الأميركي بعيداً عن الاتحاد السوفياتي. لقد كانت إدارة أيزنهاور على إيمان كامل بأن الصداقة مع عبد الناصر تعني قدرته على التأثير على كل القوى الثورية وجذبها إلى صف الأميركيين. أعضاء بارزون رأوا فيه كمال أتاتورك عربياً عصرياً وتحديثياً. الأمر الآخر، هو حرصهم على ضمان تدفق النفط إلى أوروبا (ثلثه يمر من هناك) التي كانت بحاجة ماسة لاستكمال مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية المنتهية قبل سنوات. لقد أرادوا خلق محيط شرق أوسطي صديق بقيادة ناصر لا يتسبب لهم في المتاعب، وذلك بالتقرب من القوى الثورية على حساب القوى التقليدية وحتى إضعافها إن لزم الأمر.
تنازلات عديدة قدمتها إدارة أيزنهاور حتى تكسب عبد الناصر لم تفلح، وأدرك أيزنهاور بعد سنوات من المحاولات أنه كان يرتكب خطأ سياسياً جسيماً وأن عبد الناصر كان يماطل ويشتري الوقت ولن يكون الصديق الموثوق الذي تطمح له واشنطن، وبدا ذلك واضحاً في نهاية المطاف عندما انضم بشكل صريح إلى المحور الآخر.
يقول الكاتب دوران إن هناك قناعة دائمة لدى بعض السياسيين المخضرمين بأن هناك دائماً اتفاقاً في الأفق لو قُدمت بعض التنازلات والتراجعات سيتم التوصل إليه، ولكن هذا ينتهي إلى وهم خطير، لأن الطرف الآخر لا يبحث عن اتفاق، ولكنه يسعى لتحقيق استراتيجية مختلفة. ويرى أن هذا الموقف يفقده ثقة الحلفاء ولا يجعله يكسب الأصدقاء المحتملين.
لقد غيّر أيزنهاور قناعاته بعد سنوات، واصطف بشكل أقوى مع الحلفاء وتعاون معهم بشكل وثيق، ومعهم شكل بدايات ما يسمى النظام الدولي الذي نعيش الآن تحت مظلته بنوع كبير من الاستقرار منذ أكثر من 70 عاماً، هذا على الرغم من سعي القوى الثورية منذ ذلك الوقت وحتى الآن مثلما تفعل إيران لهدمه واستبدال نظام آخر يلائمها به. لقد عبّر أيزنهاور بعمق وصلابة عن إيمانه الجديد عندما أرسل قوات إلى لبنان في عام 1958، خشي بعض أعضاء إدارته أن تدخله مشابه للتدخل الثلاثي الذي منعه سابقاً ولكن لم يأبه للرأي العام حينها. حذره عضو من الأمن القومي من أن ينتهي التدخل بطريقة دموية سيئة، ولكنه قال حينها من المؤكد أنه سينتهي بشكل سيئ ولكن من الأفضل أن نكون مع الحلفاء عندما يحدث ذلك. التفاف كامل، من إحراج وإضعاف الحلفاء إلى الوقوف معهم.
المعروف أن الرئيس أوباما لم يغيّر موقفه على عكس أيزنهاور الذي علمه الواقع شيئاً مختلفاً تماماً، ولكن السؤال يبقى الآن مع بايدن وإيران ونحن. في أي المسارين نحن ذاهبون؛ مع أوباما الذي ذهب في قناعاته لآخرها في عام 2015 عندما وقع الاتفاق النووي، أم أيزنهاور الذي غيّر قناعاته بعد 1956، أم هناك مسار ثالث لا نعرفه؟