حين أعلنوا وقف إطلاق النار ذهبت إلى سريري الذي قاطعته 11 يوما .. كنا مرعوبين .. ننام في ممرات البيوت.. نبحث عن جدار نلتصق به ونتحاشى أية غرفة بها نوافذ أو أبواب .. .. ونكره الليل لأنه لا يرى .. عائلات تركت بيوتها في الطوابق العليا الى أقرب طابق الى الأرض علّ وعسى نجاة أو خلاصاً مع المجموع … حب فطري للحياة .. كلّ يحمل مصحفاً أو سبحة .. وألسنة تتلعثم من كثرة الدعاء.. تسبح وتستغفر وتندم على معصية.. فنحن بشر لنا أخطاء وبات الموت قريباً جداً .. ونحن بشر لا منجّى لنا الا الله ….القصف أعنف وأقوى من كل مرة .. دويّ انفجارات لا تتوقف .. تزلزل البيوت يميناً وشمالاً … أصوات حجارة تتنزل وزجاج يتساقط على الأسطح والشرفات .. والعيون تتساءل أين القصف؟ أكيد في البيت الذي يجاورنا.. في لحظة السكون التالية نلتقط جوالاتنا ونبدأ في السؤال عن الأهل والأصحاب والجيران.. والكل يقول كان القصف بجانبنا !! شعور الارتياح والحمد على النجاة بعد كل غارة ممزوج بتأنيب الضمير وكيف لا! ونفوس أخرى قتلت ونحن مازلنا أحياء ! هذا كان حال أهل غزة ..
اليوم التالي للحرب الرابعة .. ليس كمثله شيء.. الصورة في التلفزيون لا تنقل الواقع كما يجب .. لأنها تبقى صورة لا تبرز التفاصيل .. تفاصيل أننا بشر .. تجعلني لا استطيع الاحتفال بالنصر على بقايا أجساد نساء وأطفال جيراننا الممزوجة بأحجار البيت الذي بني طوبة طوبة.. القرش على القرش .. فقد نشأنا على مقولة بيع الذهب واشتري العتب .. أصوات الادانات التي علت مع قرب الانتهاء من حملة القتل الاسرائيلية وشعارات الانتصار التي أعقبتها تطنّ في أذني مثل أصوات الصواريخ .. فاحشة/ مدوّية/ ومؤلمة جدا .. شعور إنساني طبيعي أن نحزن وشعور فلسطيني واجب أن نفرح بالصمود ..
بعد النجاة عدنا للحياة .. ورأينا أن اعتبارات قائمة ستعيد بناء المشهد من جديد:
أولا: اسرائيل لن تهدأ ولن تهنأ.. حجم مصائبها الداخلية مخيف .. ومستقبلها مظلم .. فالحالة الفلسطينية أثبتت أنها بركانية فجائية .. حين يعتقد العالم واسرائيل أنه ارتاح منها تنفجر في وقت لا يخطر على بال.. تقلب الحسابات رأساً على عقب وتضع الافكار والصفقات والخرائط الجديدة لرجال الاعمال تحت الانقاض.. بالضبط كأنقاض البيوت التي دمرتها آلة القتل الاسرائيلية على رءوس اصحابها .. لم يكن الالتحام الفلسطيني الجمعي الذي حدث بين المقاومة في غزة والثورة في القدس وهبّة أهلنا في داخل مدن الخط الاخضر بفعل اعتداءات اسرائيل في الشيخ جراح فحسب، بل أساساً جاء بسبب شعور القهر والظلم نتيجة سنوات الثنائي المشئوم ترامب / نتنياهو وهما يخطّان صكوكا للبيع والشراء معتقدين أن الرؤوس طأطأت واستسلمت ! وسنوات من الفوقية العنصرية اليهودية وحملات التحريض والجريمة المنظمة والقمع ضد فلسطينيي اللد وعكا وباقي مدن الداخل… لقد خلقت هذه الحالة متغيراً فاعلاً وفارقاً غير مسبوق على أرض السياسة الواقعية وإنذاراً لإسرائيل بأن القادم أسوأ بكثير إذا استمر الحال كما هو…
ثانيا: إن تخمة القوة التي تعاني منها اسرائيل المالكة لأحد أكثر الجيوش حداثة في العالم ولترسانة نووية هائلة، ساهم في تزايد حدة الانتقادات العالمية الشعبية لها، فهي تشنّ حرباً غير عادلة بأسلحة فتاكة على عائلات تعيش في مدينة محاصرة مدة 14 عاماً. وما شهدناه من دعم رموز عالمية اعلامية وفنية وثقافية لفلسطين والقدس وغزة أمر مشجّع ومهم جداًّ لا يمكن أن يمر هكذا، وإنما يجب استثماره لضمان استمراريته وانتشاره.. وعلى مايبدو أن المشاهير تمردوا على وصاية الرواية الاسرائيلية ولم يعودوا يخافون من الانتقام اليهودي كما السابق . وعليها أي اسرائيل البحث عن اتهامات أخرى غير حجة "معاداة السامية” لأنها من الواضح باتت سمجة ومتكررة ولا تخيف كثيرين.. (تريفور نواه) مقدم برنامج (ذا ديلي شو).. الممثل الأمريكي (مارك رافاللو) صاحب فيلم الرجل الاخضر .( جون اوليفر) الممثل البريطاني الكوميدي .. (إنديا مور) ممثلة وعارضة ازياء أمريكية .. بيلا وجيجي حديد .. (زين مالك) مغني وكاتب أغاني إنجليزي .. (روجر ووترز) مغني روك إنجليزي .. الممثلة الأمريكية الحاصلة على الأوسكار (فيولا ديفيس ) .. وكثر غيرهم لهم متابعين بالآلاف في السوشيال ميديا ساهموا في القاء الضوء على المعاناة الفلسطينية ودعوا لمقاطعة اسرائيل .
ثالثاً: اهتزت اسرائيل وحلفاء اسرائيل ! ورغم رسالتها الواضحة للعيان مع كل طلعة من طلعات (اف 35) و(اف 16) : نستطيع أن نمحيكم ونبيدكم.. اهتزت وبدت قبّتها الحديدية كقبّعة بالية من القش ..وعليه :
قم لغزة وفّها التبجيلا .. فإنّ فيها أنفساً لها صبر رسولا…