عندما يتوقف إطلاق النار مع قطاع غزة، وتتراجع حدة المواجهة في مدن الضفة الغربية، والمدن الفلسطينية المحتلة منذ عام 48 ستدرك جميع الأطراف أنه لم يعد بالإمكان العودة إلى الخلف، واعتبار ما حدث مجرد عنف مؤقت تسبب به المستوطنون المتطرفون اليهود الذين استفزوا المصلين في المسجد الأقصى المبارك وتسبب به قرار طرد أهالي حي الشيخ جراح من مساكنهم، فسيعرف الجميع أن القضية الفلسطينية قد عادت بثوب جديد.
في المقابل إذا جاز القول بأن هناك قضية إسرائيلية فتلك القضية قد عادت بثوبها القديم جدا، بعد أن ترسخ عنوانها في ادعاءات دينية وتاريخية، وممارسات تنتمي إلى عهود ما قبل النظام العالمي للدول، الذي تحكمه القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، بحيث أصبحت هذه "القضية" حالة فريدة من نوعها تطرح على المجتمع الدولي أسئلة تتعلق بمصداقيته، وبمنظومته القانونية والأخلاقية في التعامل مع تعريفات الاحتلال الأجنبي، وجرائم الحرب، والفصل العنصري، وانتهاك حقوق الإنسان!
ما جرى خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان الفضيل وما تبعها من أحداث ليست من صنف الحوادث أو الأزمات العابرة إنها أشبه ما تكون بنشاط بركاني لا يملك الإنسان من أمره شيئا، إن ثار أو هدأ، فقد تجاوزت الضغوط الإسرائيلية كل حدود الاحتمال، وهي تمارس القهر على أرض فلسطين التاريخية كلها فكأن مدينة اللد وغيرها من المدن المحتلة منذ عام 48 قد قلبت المعادلة رأسا على عقب ليس لأنها تغيرت وحسب بل لأن العقلية الدينية التي تسيطرعلى السياسة الإسرائيلية غير قابلة للتعايش، كما أنها غير مؤهلة لأن تكون طرفا في حلول سياسية إلا إذا تراجعت إلى الخلف.
لا بد أن يتذكر الجميع التحذيرات التي أبلغها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين لقادة العالم وهيئاته المختلفة من أن إسرائيل بتعديها على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ورفضها الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ستدفع الموقف في المنطقة إلى صراعات من نوع جديد، وإذا كان هناك من تفسير لقطع الصلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فذلك لأنه الشخص الذي أراد أن ينفخ في المد الديني اليهودي لأسباب تتعلق بوضعه الخاص ليبقى رئيسا للوزراء أو نصف رئيس حتى لا يحاكم بتهم الفساد!
موقع الأردن في هذا الصراع هو في الصميم، ليس بحكم وحدة الهدف والمصير مع الشعب الفلسطيني وحسب، بل لأن موقع الصراع الحقيقي – الحرم القدسي الشريف – تحت الوصاية الهاشمية– أي الامتداد الشرعي لقيمته في العقيدة الإسلامية، وعلى مقربة منه كنيسة القيامة ومن حول ذلك كله قضية قد تبدل أثوابها، ولكن جوهرها لن يتبدل أبدا حتى يزول الاحتلال.