فاجعة مؤسفة حدثت في مستشفى الخطيب في بغداد، وفاة أكثر من ثمانين مواطناً ومواطنة في حريق نشب في المستشفى، بعضهم مرضى «كورونا»، وبعضهم الآخر مرافقون للمرضى. التفسيرات كثيرة، وعلى رأسها ضعف البنية التحتية تاريخياً للنظام الصحي العراقي. هناك صورتان للاقتراب من الموضوع، صورة قريبة للفاجعة، وصورة تاريخية.
القريبة، أن الحادث مروع، والتاريخية، وهي بيت القصيد، أن سنوات من الإهمال طالت البُنى التحتية، ليس العراقية فقط، ولكن السورية واليمنية واللبنانية، وأيضاً الإيرانية! وتقريباً الأسباب واحدة. وجدت تلك الأنظمة الشمولية أن المعادلة المطلوبة منها للناس ليس حكمكم من أجل التنمية، بل حكمكم من أجل «المجد والفخار والتمجيد»، والطريق إلى ذلك تحكم العسكر طبيعة الأنظمة التي حكمت وتحكم هذه الدول حتى اليوم هي طبيعة «الرأي الواحد». ترى كم يحرق «الفكر الواحد» من البشر إما حرقاً حقيقياً، كما تم في مستشفى الخطيب، أو معنوياً كما يحدث في أماكن أخرى حولنا والذي يطمح القابضون على السلطة فيه إلى التوسع في الجوار معتمدين على العسكرة، على أنها بديل للتنمية المستحقة في الداخل الوطني. اعتقد صدام حسين وحافظ الأسد، وقد ذهبا إلى ربهما، أنهما مكلفان «برسالة خالدة» فوضعا النياشين العسكرية وصدّقا هذا الأمر؛ فحارب صدام أهله الأكراد أولاً، ثم أهله المخالفين في الداخل ثانياً، وثالثاً الجوار الإيراني، وانتهى «الفخار» باجتياح الكويت تحقيقاً «للوحدة العربية»! كما ادعى نظامه وخلّف مآسي ما زال العراقيون يدفعون ثمنها، وقد يطول الزمن بهم، وفي كل المسيرة الحكم شبه العسكري والرأي الواحد أنفق على الأجهزة والسلاح ما كانت تستحقه التنمية، وكذلك فعل حافظ ومن بعده ابنه بشار في سوريا وفي لبنان، فخرب بلاده وتحكم في مقدرات البلد المجاور، ومن ثم حوّل ذلك التحكم إلى شركاء في الداخل، فأفلس لبنان وضاعت الدولة في سوريا، من جديد تحت شعار اخضعوا لي وأنا أحرر لكم فلسطين!
إن عدنا إلى الكارثة في العراق، فعدد سكان العراق نحو 40 مليون نسمة، ومتوسط الدخل القومي الإجمالي نحو 200 مليار دولار، ومتوسط نصيب الفرد أكثر قليلاً من خمسة آلاف دولار، وفشل على مر السنين في بناء منظومة صحية، إن قارناها ليس بدول ذات دخل كبير، ولكن أقل من المتوسط مثل الأردن ذات العشرة ملايين إنسان تقريباً ومتوسط نصيب الفرد فيها من الدخل القومي لا يتعدى رقمين، ولكنها مع ذلك بنت نظاماً صحياً ذا كفاءة عالية، الفرق أن الأردن لم يكلف نفسه بمشروع «وحدوي يوصل إلى المجد»، أو حتى أخذت على عاتقها أي مشروع يستنزف أموالها باتجاه العسكرتارية. الخطأ القاتل من جديد نشاهده اليوم في إيران، ليس مهماً أن يعيش الإيرانيون عيشة معقولة وتسهل لها سبل التنمية، بل المهم أن يشعروا «بالمجد» ودولتهم تتوسع في الجوار من خلال تحكم الميليشيات وتحييد السياسيين، حتى اشتكى الأقربون كما فعل محمد جواد ظريف في التسريب الأخير، ولكنه ليس الأول. تنفق إيران بلايين الدولارات على العسكرتارية والأذرع السياسة في خارج الدولة ويعيش شعبها في معظمه تحت خط الفقر.
يسعفنا التاريخ الحديث بأمثلة من مثل ذلك الخطأ القاتل. حمل آدولف هتلر الشعوب الألمانية إلى حروب ضروس في الشرق والغرب بسبب في البداية أن هناك أقليات في الجوار تتكلم الألمانية وعلينا ضمها إلى «الوطن الأم» «شعب واحد، رايخ واحد» مع نياشين كثيرة على صدره، وهذا ما قاد بعد ذلك إلى حرب عالمية حصدت أرواح عشرين مليون من البشر، ثم انتهى منتحراً وحده في أحد مخابئه السرية وألمانيا في خراب شنيع، ومع الأسف هذا ما نشاهد بذوره اليوم في روسيا الاتحادية من ادعاء أن هناك مجموعة وازنة في أوكرانيا تتكلم الروسية؛ لذلك يتوجب أن تنضم جغرافياً إلى الاتحاد الروسي، في المكانين لا المتحدثون بالألمانية في جوار المانيا عام 1939 يرغبون في الانضمام إليها، ولا المتحدثون بالروسية في أوكرانيا اليوم يرغبون في ذلك. تلك أمثلة للوصول بالمقارنة إلى ما نحن فيه. فالقول أو الوهم الإيراني، أن كل الشيعة في دول الجوار يرغبون في أن يلتحقوا بالمشروع الإيراني قول مضلل، بعضهم توهم أن شريحة صغيرة التحقت بالمشروع لأسباب متعددة، منها الإغراء المالي والسلطوي أو التخويف، علامة على قبول، هؤلاء قبل غيرهم سوف يفقدون حرياتهم، في الوقت نفسه ليس كل الشيعة في الجوار يرغبون في الالتحاق بالنموذج الإيراني، لا الآن ولا في المستقبل؛ لذلك هم يقاومونه في العراق ولبنان. ما يحدث في اليمن مشابه بفرض نموذج بالقوة تحت شعارات مختلفة، منه الوطني والمذهبي، وقد لا يعرف بعض المتحمسين من غير المجموعة الحوثية أنهم سوف يكونون أول ضحايا المشروع إن استتب في اليمن، وأول المُضحى بهم في حروب الاستنزاف اللاحقة. الأفكار الفاشية التي تبناها «حزب البعث» حيث نشأ في ظل انتشار تلك الأفكار في أوروبا، كمثل الأفكار في «ولاية الفقيه» أعطوني الطاعة المطلقة أحقّق لكم النصر وأستحوذ لكم على غنائم المجال الحيوي الذي نعيش فيه، أما التنمية فهي متروكة لفترة أخرى لا يعلمها إلا الله.
أمام تلك المعادلة طبيعي جداً أن تتهاوى البُني التحية في تلك البلاد ذات البعد الواحد، وترخص أرواح البشر إلى درجة أن الصيحات العالمية حول المجازر والتطهير العرقي والقتل خارج القانون لا يسمع لها صدى في ساحاتهم. ما يجمع كل تلك المشاريع هو الوهم، وهم «الرجل المنقذ» ووهم «المشروع المنقذ» من خلال القوة العسكرية، المعادلة الحقة هي شوق الناس، ومن بينهم شعوب الشرق الأوسط إلى التنمية والأمن وهجر الصراعات والحروب. اعتقد هتلر أن الاسترضاء الذي واجهه في بداية مشروعه من دول الجوار هو خوف منه أو تسليم بمشروعه، لقد قرأ المشهد قراءة خاطئة، وهكذا يقرأ المشهد اليوم الداعون إلى العنف والحروب، أكانوا الجماعات المسلحة في العراق أو «حزب الله» وحلفاءه في لبنان أو الحوثي وأنصاره في اليمن أو عسكر إيران، ما ينتجونه غير الفقر والفاقة والموت، لا أكثر من ذلك، وطريق كل ذلك هو التضليل.
آخر الكلام:
قال ظريف في تسريباته الأخيرة «في الجمهورية الإسلامية العسكر هم الذين يحكمون» فشهد شاهد من أهلها.
القريبة، أن الحادث مروع، والتاريخية، وهي بيت القصيد، أن سنوات من الإهمال طالت البُنى التحتية، ليس العراقية فقط، ولكن السورية واليمنية واللبنانية، وأيضاً الإيرانية! وتقريباً الأسباب واحدة. وجدت تلك الأنظمة الشمولية أن المعادلة المطلوبة منها للناس ليس حكمكم من أجل التنمية، بل حكمكم من أجل «المجد والفخار والتمجيد»، والطريق إلى ذلك تحكم العسكر طبيعة الأنظمة التي حكمت وتحكم هذه الدول حتى اليوم هي طبيعة «الرأي الواحد». ترى كم يحرق «الفكر الواحد» من البشر إما حرقاً حقيقياً، كما تم في مستشفى الخطيب، أو معنوياً كما يحدث في أماكن أخرى حولنا والذي يطمح القابضون على السلطة فيه إلى التوسع في الجوار معتمدين على العسكرة، على أنها بديل للتنمية المستحقة في الداخل الوطني. اعتقد صدام حسين وحافظ الأسد، وقد ذهبا إلى ربهما، أنهما مكلفان «برسالة خالدة» فوضعا النياشين العسكرية وصدّقا هذا الأمر؛ فحارب صدام أهله الأكراد أولاً، ثم أهله المخالفين في الداخل ثانياً، وثالثاً الجوار الإيراني، وانتهى «الفخار» باجتياح الكويت تحقيقاً «للوحدة العربية»! كما ادعى نظامه وخلّف مآسي ما زال العراقيون يدفعون ثمنها، وقد يطول الزمن بهم، وفي كل المسيرة الحكم شبه العسكري والرأي الواحد أنفق على الأجهزة والسلاح ما كانت تستحقه التنمية، وكذلك فعل حافظ ومن بعده ابنه بشار في سوريا وفي لبنان، فخرب بلاده وتحكم في مقدرات البلد المجاور، ومن ثم حوّل ذلك التحكم إلى شركاء في الداخل، فأفلس لبنان وضاعت الدولة في سوريا، من جديد تحت شعار اخضعوا لي وأنا أحرر لكم فلسطين!
يسعفنا التاريخ الحديث بأمثلة من مثل ذلك الخطأ القاتل. حمل آدولف هتلر الشعوب الألمانية إلى حروب ضروس في الشرق والغرب بسبب في البداية أن هناك أقليات في الجوار تتكلم الألمانية وعلينا ضمها إلى «الوطن الأم» «شعب واحد، رايخ واحد» مع نياشين كثيرة على صدره، وهذا ما قاد بعد ذلك إلى حرب عالمية حصدت أرواح عشرين مليون من البشر، ثم انتهى منتحراً وحده في أحد مخابئه السرية وألمانيا في خراب شنيع، ومع الأسف هذا ما نشاهد بذوره اليوم في روسيا الاتحادية من ادعاء أن هناك مجموعة وازنة في أوكرانيا تتكلم الروسية؛ لذلك يتوجب أن تنضم جغرافياً إلى الاتحاد الروسي، في المكانين لا المتحدثون بالألمانية في جوار المانيا عام 1939 يرغبون في الانضمام إليها، ولا المتحدثون بالروسية في أوكرانيا اليوم يرغبون في ذلك. تلك أمثلة للوصول بالمقارنة إلى ما نحن فيه. فالقول أو الوهم الإيراني، أن كل الشيعة في دول الجوار يرغبون في أن يلتحقوا بالمشروع الإيراني قول مضلل، بعضهم توهم أن شريحة صغيرة التحقت بالمشروع لأسباب متعددة، منها الإغراء المالي والسلطوي أو التخويف، علامة على قبول، هؤلاء قبل غيرهم سوف يفقدون حرياتهم، في الوقت نفسه ليس كل الشيعة في الجوار يرغبون في الالتحاق بالنموذج الإيراني، لا الآن ولا في المستقبل؛ لذلك هم يقاومونه في العراق ولبنان. ما يحدث في اليمن مشابه بفرض نموذج بالقوة تحت شعارات مختلفة، منه الوطني والمذهبي، وقد لا يعرف بعض المتحمسين من غير المجموعة الحوثية أنهم سوف يكونون أول ضحايا المشروع إن استتب في اليمن، وأول المُضحى بهم في حروب الاستنزاف اللاحقة. الأفكار الفاشية التي تبناها «حزب البعث» حيث نشأ في ظل انتشار تلك الأفكار في أوروبا، كمثل الأفكار في «ولاية الفقيه» أعطوني الطاعة المطلقة أحقّق لكم النصر وأستحوذ لكم على غنائم المجال الحيوي الذي نعيش فيه، أما التنمية فهي متروكة لفترة أخرى لا يعلمها إلا الله.
أمام تلك المعادلة طبيعي جداً أن تتهاوى البُني التحية في تلك البلاد ذات البعد الواحد، وترخص أرواح البشر إلى درجة أن الصيحات العالمية حول المجازر والتطهير العرقي والقتل خارج القانون لا يسمع لها صدى في ساحاتهم. ما يجمع كل تلك المشاريع هو الوهم، وهم «الرجل المنقذ» ووهم «المشروع المنقذ» من خلال القوة العسكرية، المعادلة الحقة هي شوق الناس، ومن بينهم شعوب الشرق الأوسط إلى التنمية والأمن وهجر الصراعات والحروب. اعتقد هتلر أن الاسترضاء الذي واجهه في بداية مشروعه من دول الجوار هو خوف منه أو تسليم بمشروعه، لقد قرأ المشهد قراءة خاطئة، وهكذا يقرأ المشهد اليوم الداعون إلى العنف والحروب، أكانوا الجماعات المسلحة في العراق أو «حزب الله» وحلفاءه في لبنان أو الحوثي وأنصاره في اليمن أو عسكر إيران، ما ينتجونه غير الفقر والفاقة والموت، لا أكثر من ذلك، وطريق كل ذلك هو التضليل.
آخر الكلام:
قال ظريف في تسريباته الأخيرة «في الجمهورية الإسلامية العسكر هم الذين يحكمون» فشهد شاهد من أهلها.