يذكر الدكتور حاييم وايزمن، أول رئيس لدولة الاحتلال الصهيوني ، في مذكراته «التجربة والخطأ»، أن صدور إعلان بلفور بالصيغة التي نعرفها حالياً، كان فشلاً كبيراً لمشروع الإعلان الصهيوني الذي تقدم به وايزمن إلى مجلس الوزراء البريطاني، ويقول وايزمن انه كان يمشي في ممرات مجلس الوزراء ذهاباً وإيابا في انتظار تسلم قرار المجلس حين خرج سكرتير المجلس منادياً بفرح وابتهاج: «دكتور وايزمن... انه ولد... انه ولد...!!» وحين قرأ وايزمن نص إعلان بلفور قال: لم أحب ذلك الولد... لكننا سنجعل منه ما نريده أن يكون. وهكذا كان ـ اذ حوّلت الحركة الصهيونية الفشل في تحقيق ما إرادته من إعلان بلفور إلى «شهادة ميلاد دولية» لمشروع كيان الدولة العبرية.
علما ومنذ ستينات القرن الماضي حفلت الأجندة الدولية ، بأكثر من 1000 قرار لصالح القضية الفلسطينية، لكن غالبيتها ما تزال قيد التنفيذ، بينما يمضي الاحتلال الإسرائيلي في مشروعه الاستيطاني التهويدي وتدمير رؤية الدولتين .
وتتبنى أجهزة هيئة الأمم المتحدة؛ مثل الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» ومجلس الأمن وحتى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية وقرار محكمة الجنايات الدولية بولايتها على الأراضي الفلسطينية ، موقفاً ثابتاً من الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس، باعتبارها محتلة، والإقرار بعدم مشروعية ولا قانونية الاستيطان فيها.
وتقر كثير من القرارات الدولية بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حدود العام 1967 وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، مردفة بآليات ملزمة للتطبيق الفوري، والتي يجري التأكيد عليها دوريا، فيما أسهمت الجهود الأردنية والفلسطينية الحثيثة، بالتنسيق مع الدول العربية والصديقة، عبر الأجهزة الأممية المختلفة والمحافل الدولية المعتبرة، باستصدار قرارات وقوانين ملزمة، تصب في صالح الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة، بخاصة فيما يتعلق بالقدس المحتلة، عدا إحباط محاولات إسرائيلية وأمريكية مضادة وإفشال مخطط الضم .
الاحتلال الإسرائيلي ؛ لم يعر يوماً أي اهتمام لقرارات الشرعية الدولية التي اعتبرها (أول رئيس وزراء إسرائيل) ديفيد بن غوريون «حبراً على ورق»، إذ ما زال ممعن بسياسة العدوان ضد الفلسطينيين، ما أدى لارتفاع عدد المستوطنين إلى ما يزيد 680 ألفا في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، ضمن 185 مستوطنة و220 بؤرة استيطانية، ما يمنع إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة.
ويزيد من ذلك؛ غياب التزام إسرائيل بالقرارات الدولية، وفرض العقوبات عليها ؛ عند صدورها بموجب الفصل السادس من ميثاق هيئة الأمم المتحدة، خلافاً للقرارات الإلزامية الصادرة طبقاً لمقتضيات الفصل السابع، وبالتالي لن تكتسب بعدا آخر. «
القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بمختلف أجهزتها، وتتجاوز المئات لصالح فلسطين، تشكل أساس المشروعية للقضية الفلسطينية في المحافل الدوليه «، وهذا «يؤكد باستمرار، عدالة القضية الفلسطينية، والأرضية التي تقف عليها، وهي أرضية صلبة ومتفق عليها لأعوام تجاوزت النصف قرن». ان تردد «القيادة الفلسطينية وحسابها لأي تحرك، خشية رد الفعل الإسرائيلي ، ما يجعل الكثير من القرارات الدولية المهمة الصادرة في صالح فلسطين، بعيدة عن التنفيذ «
وبالرغم من تنكر حكومة الاحتلال لقرارات الشرعية الدولية وعدم التزامها بتنفيذها، ، ينم عن طبيعة الكيان الإسرائيلي العنصري، والذي لا يريد للفلسطينيين حق تقرير مصيرهم أو تحقيق أي انتصار، حتى لو كان معنوياً ودبلوماسياً رمزياً.
فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات مؤيده للفلسطينيين عبر التصويت بالأغلبية الساحقة ففي اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (يوم 29 نوفمبر، الذي اعترفت فيه الأمم المتحدة بدولة إسرائيل)، صُوِّت في الجلسة السابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار ترقية صفة فلسطين من كيان غير عضو إلى دولة غير عضو. في الجلسة السادسة والستين، اعترفت منظمة اليونسكو بفلسطين دولةً بعضوية كاملة في المنظمة. وصدرت قرارات ضد الاستيطان الإسرائيلي، وتأكيد الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف.، كما أقرت المنظمة «عدم الاعتراف بمواقف الدول التي اعترفت «بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي» ونقل سفاراتها إليها، توازياً مع عدم الاعتراف «بأي تغييرات على حدود ما قبل العام 1967?، بما في ذلك القدس المحتلة. وكان من المفروض في القيادة الفلسطينية استثمار هذه القرارات وإجراء انتخابات تشريعيه ورئاسية من خلال مظلة الاعتراف بدولة فلسطين وتحت الرعاية الدولية وإجبار حكومة الاحتلال على تطبيق قرارات الشرعية الدولية وانسحابها من كامل أراضي دولة فلسطين بما فيها القدس بدلا من إعادة تكريس اتفاق أوسلو الذي مضى عليه اكثر من 28 عاما لم يجلب للفلسطينيين سوى المزيد من الكوارث.