بعيدا عن مصطلحات المُبالغة التعبويّة التي حفل بها البيان الختامي لاجتماع الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية, وصرفاً للنظرعن اللغة العمومية وغيرالحاسمة التي صيغ بها بيان من التقوا في رام الله وبيروت عبر تقنية الفيديوكونفرنس, ناهيك عما رافق ذلك الاجتماع من محاولات حثيثة بُذلت خلف ابواب بعض السفارات الغربية والعربية, التي عملت على تعطيل عقد الاجتماع في بيروت, وقيل تبريراً ان السبب هو الحال الصعبة بل الكارثية التي تعيشها بيروت بعد فاجعة الرابع من آب الماضي.
بعيداً عن ذلك كله فإن المُدّقق في «مُقررات» البيان والكيفية التي صيغ بها, يخرج بانطباع ان لا شيء حقيقيا أومعتبراً...تحقّق, أو يُمكِن تجسيده على ارض الواقع وكم كانت نتائج اجتماعات ولقاءات عاجلة وأخرى لم تأخذ هذه الصفة, مُطابقة لما خرج به اجتماع قادة الفصائل الـ «13», إن لجهة «تسريع» المُصالحة أم «التوافق» (لاحظوا مدلولات هذه المُفردة الباهِتة)على تفعيل منظمة التحرير, وخصوصاً تشكيل لجنة تُقدم «توصياتها» خلال خمسة أسابيع, اي قبل شهر من انتخابات 3/11 الرئاسية الأميركية, التي ينتظرها «كل» العرب..بعضهم يدعو الله ان يُهزَم ترمب, فيما آخرون يرون بقائه بقاءه لهم واستمراراً لنفوذهم المُتنامي في المنطقة.
لجنة تُقدّم «توصياتها» خلال خمسة أسابيع ومُهمتها تقديم «رؤية استراتيجية» لتحقيق إنهاء الانقسام والمُصالحة والشراكة في إطار م.ت.ف, الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، أما لِـ«مَن» ستُقدم اللجنة العتيدة هذه «الرؤية الإستراتيجية» فَـإنها ِلجلسة مُرتقبَة للمجلس المركزي الفلسطيني», هنا أيضاً ودائماً تناسى المجتمعون (بعضهم او كُلهم) «القرارات» الحاسِمة والخطيرة التي اتّخذها «المركزي» نفسه, ووجدت طريقها كالعادة الى الأرشيف. فهل ستختلِف حال «الرؤية الإستراتيجية» الجديدة لإنهاء «الإنقسام والمُصالحة والشراكة» عمّا سبقَها من قرارات؟.
ولأن حركة الجهاد الإسلامي أعلنت تحفّظها على بعض القرارات, وخصوصاً رفضها «حل الدولتين» وايمانها بتحرير فلسطين من النهر الى البحر، فإن «توافُقاً» آخر صدر عن الاجتماع, يتعلّق بتشكيل «لجنة» وطنية مُوحّدة لـ«قيادة المقاومَة الشعبية الشاملة», على ان تُوفّر اللجنة التنفيذية لها جميع الإحتياجات اللازمة لإستمرارها»... يزيد من الثقة بأن شيئاً جوهرياً في «عقلية» المُجتمِعين البيروقراطية لم يتغيّر, بل عمّق من الفوقية التي باتت تَسِم تفكير النُخب المُسيطرة في هذه الفصائل, وبخاصة نظرتها الى الجمهور الفلسطيني والتخاطُب معه كأنه قطيع يُدار بالريموت كونترول, وليس له رأي في ما يجري. فـ«اللجنة» هي التي ستُوجّه الأوامر, وهي التي ستُقرِّر النشاطات والساحات والشعارات, وليس على الجمهور «الشعبِيّ المُقاوِم» سوى التنفيذ.
في السطر الأخير.. ليس القصد التقليل من أهمية ما تم اتخاذه من قرارات (على الورق حتى الآن), ولا الحطّ من قيمة ما تم «التوافُق عليه», وهو مُصطلح رخو يعكس ضمن امور اخرى...عدم الجِديّة, بل كان يروم التأشير على مكامن خطورة الركون الى مصطلحات وقرارات ومفردات ملّلها الناس, وباتوا في حاجة الى ترجمتها عملِيّاً على ارض الواقع, بعيداً عن «ثقافة» المُناكفة ومعارك الكيد السياسي والتربّص واحتكار الحقيقة والوطنية.