(بلطجةٌ مُرَّه): نَعيشُها بِكِتْمانْ... وْيَالْلهِ النّسيان...!!! شهدت الأردن على مدى تاريخها توتّرات وأحداث ومخاضات سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وهي استحقاقات طبيعيّة لولادة دولةٍ قويّة ومستقرّة، وهو حال أغلب الدّول في العالم، وليس جديد أن نرى مثلها هذه الأيّام، ولكنّ الجديد (لَنْغْ) هو ما نشاهده الآن من (بلطجة) يصعب علينا الخروج بتعريفٍ إجرائيٍّ واحد لها، أو تصنيفها، أو الوقوف على مدى شدّة (عنفها وقسوتها)، أو مدى استمراريّتها وانتشارها...!!! نشهد هذه الأيام ما خسر وخاب من (ممارسة) دخيلة على مجتمعنا النّظيف الطّاهر، وعلى استحياء شديد؛ أُتُّفق أخيراً على تسميتها (بالبلطجة) بعد أن تكرّرت حوادثها وأحداثها، وتعدّد وتنوّع منفّذوها (من شتّى المنابت والأصول)، واتّسع انتشارها (كموضة)، وتزايد جمهورها ومُتعاطوها (كجماعة)، وارتفعت درجات عنفها وقسوتها، واشتدّت خطورتها...؛ والأخطر الأخطر هو ما نشاهده ونلمسه من تغافلٍ رسميٍّ عن أسبابها، وغفلة عن آثارها، ولا يمكن بأيّ حال عَزوها إلّا لعملٍ مُخطّطٍ ومدعومٍ بأيدي فئةٍ ما رسميّة مُغرضة وعشائريّة مُستنفعة، ويستند هزلهم هذا في شرعيّته على حقٍّ في الظّاهر (الخوف على الأردن)، وباطلٍ في الضّمائر (الخوف من الأردن)...!!! ليس في أردنّنا جماعات مُسلّحة مثلاً خطّطت ودبّرت ونفّذت ما نعاني منه ومحسوس ومؤكد (فساداً وعنفاً وقتلاً واغتصاباً وسرقة...)، أو كما يُزعَم ويُنمّط أن هناك جماعات لها أثداء خارجيّة ترضع منها، أو متطرّفة ولها علاقات وارتباطات بالقاعدة والتّنظيمات الإرهابيّة الدّوليّة...، إذن...؛ وبما أنّ جميع من يتعرّضون (للبلطجة) بريئون مما آلت إليه أحوالنا بكافّة جوانبها في الاتجاه السّلبي، وليس لهم يدٌ أو ساق أو فخذ لا من قريب ولا من بعيد في استمرارها وتهالكها؛ فلمَ لا نَصْدق مع فطرتنا وأنفسنا، ونقف جميعاً كشجعانٍ أمام حقيقتنا وحقيقة وطننا...، حتّى لو كانت الحقيقة لدى الأردنيّ مرّة ودائماً ما يعيشها بالكتمان ويستعين عليها بالنّسيان...؟! لنواجه (دون مزايدات تبعدنا عن الحقيقة والواقع وتدفعنا إلى البلطجة المُرّه) حقيقة وجود مناخ فئوي عشائري بين المواطنين العاديين، ولنواجه كذلك تلك الحقيقة العلقم والمرّة...، حقيقة التّحوّل الكبير في أخلاقنا التي هي بالتّالي أخلاق الأردنّ ككل...، فالعنف والقتل صارا الحل الأوحد في خلافاتنا ومهاتراتنا لدرجة أنّه علاج جذّريّ ناجع شبه وحيد لأيّ مشكلة أو خلاف بغض النّظر عن درجته (بسيط، متوسّط، أو شديدٌ جدّاً)، إغلاق الطّرق الحيويّة، إطلاق رصاص بداية من التّعبير عن فرحة خِطْبَة قد تمّت سريعاً بين (واحد و وحده) في عزّ شهر شباط (الخبّاط)، وإلى التّعبير عن (بخيت -فَصْلَدَمْج) الْبَلـَ...ديّات على رأي المُبدع (أحمد الزّعبي) ، وانتهاءً بفرحة الحصول على معدل نجاح (خمسيني) في الثّانويّة العامّة...! لنواجه حقيقة ما يَحدث من ممارسات عنيفة متوحّشة في عالمنا الخفي السّفلي الذي يُنذر عن تحرّشٍ جنسيٍّ قاتلٌ خفي، ويعلن عن جرائم عائليّة بجميع صورها الماديّة والرّوحيّة، حيث قتل الأبناء والآباء بشكلٍ قاسٍ فظيع، ويعرض سلوكيّات القتل طعناً حتّى الموت (ولا ضير إن تعدّت وزادت عن المطلوب لإنهاء حياة شخصٍ ما)، جزّ الرّأس أو تقطيع الأطراف (الله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله!!!)... . ليواجه (البلطجيّة) حقيقة مُبصرة واستيقنتها أنفسهم وجحدوها علوّاً وظلما...، وهي حقيقة أنّ الإصلاح الاقتصادي لا يُمكن أن يتمّ إلّا بالإصلاح السّياسي، ولا إصلاح سياسي البتّة بمعزلٍ عن الإصلاح الدّيني ويترافق معه جنباً إلى جنب، وهو ما يفقده الأردنّ الآن، وينادي به الشّارع من خلال شرائحٍ مختلفة متنوّعة شريفة، وتدين جميعها بحبّها وولائها للأردنّ والهاشميّين، إذن...؛ هناك سبب مخفي (للبلطجة)، وما ممارستها ضد الشّرفاء والأبرياء والوطنيّين بشهادة (رأس الدّولة) إلّا دفاعاً سلبيّاً ويخفي وراءَه ما وراءه...؟! (البلطجة) تكوّنت وتراكمت وظهرت وانتفخت وتضخّمت خلال سنوات وليس البارحة فقط في (سلحوب) مثلاً وغيرها، ولم تنشأ وتتكامل عناصرها فجأة أو على حين غرّة (كما يحدث للأردنيين عندما يُفاجئون دائماً بقدوم رمضان أو الحج...وكأنّ ليس لها عندهم مواقيت...)...لا...، إنّها تفاعلت مع الزّمن، ورسخت في وجدان النّاس، ولن تنتهي قريباً وستدوم وتستمرّ طويلاً، ولن ننجح بالتّخلّص منها إطلاقاً ما دامت حلولنا أمنيّة مخابراتيّة وفئويّةٍ عشائريّة، ولن ننجح أبداً ومستحيلٌ جداً لو ظلّ (البلطجيّة) بيننا وظلّوا ينكرون الحقيقة! والحقيقة للجميع (ولا يهون البلطجيّة ولا اِزْغَرَه بيهم) هي أنَّ تقدّم الشّعوب (من قبل قبل)؛ لم يحدث إلّا بعد إصلاح ديني تنموي وشامل ويرتقي من خلاله العقل، ويعلو فيه العلم، فيثمر عنهما الاجتهاد والتّجديد، وبدونه لن نتقدّم خطوة تاريخيّة إلى الأمام، وسنبقى في أسر التّنطّع الدّيني، وسجن التّطرّف العشائري الشّعبي، وتحكّم ورعب وإرهاب (البلطجيّة) في حياتنا...، وهو لا يعني في النّهاية سوى مزيداً من التّخلّف والتّراجع و(الطوبائيّة الفكريّة...)، وجميعها تقودنا إمّا للانتحار السّياسي والثّقافي، وإمّا إلى الجريمة والانحراف القسريين...!!! جلوسنا في البيوت والاكتفاء بممارسة الفرجة والتّفرّج على ما يحصل وحاصل في بلدنا، واختيار الإدمان (كعلاجٍ سلبيِّ) في قراءة أخباره غير العاديّة العاجلة المُعجّلة من خلال الصّحف الالكترونيّة أو على شاشات الفضائيّات؛ يَسِمُنا جميعاً بأنّنا فعلاً نعيش فيه لصوصاً ظُرفاء، و (بلاطجة) خشنين ناعمين ضد بريءٍ طاهرٍ أوحدٍ هو نحن، ونحن هو؛ ويفصح عنه لنا حيدر محمود بقصيدته النّامقة المُنمّقة والمُغنّاة بصوت فيروز الشّاجنُ الشّجيِّ، فيقولان لنا كلٍّ حسب دوره فيها بأنّ ذلك الأوحد لا بدّ لنا أن يكون: أَرْدُنُّ أرض العزمِ أغنية الظُّبى نَبت السّيوفُ وحدُّ سيفِكَ ما نباْ في حجمِ بعض الوردِ إلّا أنّهُ لَكْ شوكةٌ رَدَّت إلى الشَّرقِ الصِّباْ
(بلطجةٌ مُرَّه): نَعيشُها بِكِتْمانْ... وْيَالْلهِ النّسيان...!!!
أخبار البلد -