الرئيس المُكلّف غرق في حسابات التمثيل المناطقي على حساب الكفاءة السياسية .
سواء كان الوقت الممنوح للرئيس المكلف يوما واحدا او اسبوعا او حتى شهرا, فلا فرق جوهريا في التشكيلة, ما دامت الحكومات تؤلف بالآلية والطريقة نفسها.
حكومة الخصاونة لم تشذ عن الوضع القائم , فبعد قرابة اسبوع من المشاورات انتهى رئيس الوزراء الى توليفة تقليدية من الوزراء نصفهم تقريبا من الوزراء السابقين والنصف الثاني من المعارف والانسباء والاصدقاء.
الحكومة التي حدد لها الملك الاصلاح السياسي كأولوية خلت من الخبرات السياسية باستثناء وزير او وزيرين. والحكومة التي يعترف رئيس وزرائها بأنه لا يعرف في الاقتصاد ومشاكله افتقرت لفريق اقتصادي متجانس قادر على مواجهة التحديات الكبيرة التي يعاني منها.
على مدار اسبوع من المشاورات شعرنا ونحن نتابع المشهد ان الخصاونه قد غطس في تعقيدات التشكيل وحسابات التوازن في التمثيل, وللانصاف فإنه نجح في ارضاء جميع مكونات المجتمع جهوية كانت ام مناطقية, لكن ذلك للاسف كان على حساب النوعية والكفاءة, التي وعد الخصاونة بمنحها الاولوية عند تكليفه.
نحن اذا امام حكومة عادية مثل حكومات سابقة او أقل, لكننا في مرحلة استثنائية والا لما كنا بحاجة الى حكومة جديدة, مرحلة تستدعي تشكيلة استئنائية, كان بوسع الخصاونة ان يحققها رغم ادراكنا لعجز الآليات المتبعة في التشكيل.
بعد تكليفه بساعات صرح الخصاونة ان مهمته الاولى هي تشكيل حكومة تستعيد ثقة الناس بالدولة , والخصاونة محق تماما في توصيف المشكلة الرئيسية, لكنه في غمرة البحث عن الوزراء وقبل ان يدركه الوقت المتاح لم يجد امامه غير "العلبة" التقليدية التي تضم وجوها مألوفة ومكرورة ليشكل منها فريقه الوزاري. كان امامه بدائل كثيرة وخيارات متعددة تتيح تشكيل فريق وزاري اكثر قربا من الشارع واوسع معرفة باستحقاقات الاصلاح , لكنه انحاز الى الوجوه التقليدية التي لا تحمل في معظمها هوية سياسية ولم يعرف عنها من قبل اهتمامها بقضية الاصلاح السياسي لا بل ان بعضهم بعيد تماما عن الشأن العام , والمناسبة الوحيدة التي يحضر فيها هي عند اداء قسم الوزارة.
المشكلة ان البلاد لم تعد تحتمل ترف تغيير الحكومات , كل ما نريده هو ان نصل الى الانتخابات النيابية المبكرة بسلام , لنغادر والى الأبد الآليات البالية والرجعية في تشكيل الحكومات, ونحتكم الى قواعد برلمانية ديمقراطية في اختيار رؤساء الحكومات والوزراء , حكومات تكون خاضعة لمساءلة نيابية وشعبية.
اوساط المعارضة الشعبية والحزبية استقبلت التشكيلة الحكومية بفتور وخيبة امل, لكن ونظرا لاعتبارات عديدة ليس من السهل على اي طرف يشعر بالمسؤولية الوطنية ان يرفع شعار اسقاط الحكومة او يخوض مواجهة تنهكها في الشارع , لان ذلك ينطوي على مغامرة محفوفة بالمخاطر تجر البلاد الى ازمة مفتوحة على كل الاحتمالات. ينبغي على الجميع بذل كل جهد ممكن لدفع عملية الاصلاح الى الامام والانفتاح على الحكومة لضمان تحقيق الاهداف المطلوبة وعدم الوقوع في الاخطاء. وعلى الحكومة بفريقها المتواضع ان تدرك انها بحاجة للمساعدة والرعاية والانصات لصوت الناس والقوى الحية في الشارع السياسي والبرلماني وغير ذلك فإنها ستغرق بسرعة وتغرقنا معها.