تعرّض مجلس النواب الحالي للكثير من النقد والإساءات والتهميش ومطالب الحل, ما خلّف لدى اعضائه عُقَدا ومرارات وشعورا بالضعف.
ليس المجلس الحالي بأسوأ مما سبقه, لكنه سيىء الحظ. فقد كانت الثقة بحكومة سمير الرفاعي هي أولى فعالياته. وكان يظهر أن تلك الحكومة قوية وباقية, وكان معظم النواب حديثي العهد بالعمل السياسي والنيابي, وكان الربيع العربي لم ينطلق بعد. وفي ضوء كل ذلك, منح المجلس ثقة قياسية لحكومة الرفاعي بـ 111 صوتا. وما هي سوى أيام حتى أصبح هذا الرقم شؤما على مانحيه وعلى صورة المجلس كله.
وفي مواجهة زخم الحراك, أصبح المجلس عبئا على النظام السياسي, بحيث جرى تهميشه لصالح لجنة الحوار الوطني, وأضحى التشكيك في شرعيته والسخرية من أدائه, أغنية وطنية.
لم يبذل المجلس, الكثير, لتحسين صورته. بالعكس, ظهر من بين صفوفه نواب أظهروا العداء الصريح للحراك الشعبي, وبينما أهمل النواب ملفات الفساد الكبرى جرى التركيز, بصورة كيدية, على ملف الكازينو من دون التوصل إلى نتيجة. وظهر واضحا أن وظيفة المجلس كوسيط سياسي مع الشعب مفتقدة بشدة. وحتى في أبسط متطلبات الأداء النيابي الجاد كحضور الجلسات التاريخية لإقرار التعديلات الدستورية, رأينا عددا من النواب يتغيبون أو يتصرفون بصورة لا تنسجم مع حجم المسؤولية.
ومع ذلك كله, سيدخل مجلس النواب الحالي, التاريخ الأردني بصفته المجلس الذي أقرّ التعديلات الدستورية التي استعادت معظم دستور ,1952 وأعادت للبرلمان كامل دوره التشريعي (تقييد القوانين المؤقتة بالحالات الطارئة) وحصانته إزاء السلطة التنفيذية (ربط حل البرلمان باستقالة الحكومة وحرمان رئيسها من تشكيل الحكومة التالية).
إن السلطات التي اكتسبها البرلمان بالتعديلات الدستورية أساسية, والتقليل من شأنها واعتبارها "شكلية" هو مجرد تطرّف زائف. وها هو رئيس الوزراء يشعر بثقل تلك التعديلات على قوة حكومته وقدرتها على المناورة السياسية.
مجلس النواب اليوم هو أقوى هيئة سياسية في البلاد. فعدا عن الثقة اللازمة للحكومة, التي يمكن أن تكون مشروطة ببرنامج اجتماعي شعبي, فالمجلس محطة إجبارية لإقرار قانون الانتخابات العامة, وهو ما سيحرر هذا القانون من ضغوط قوى محلية وإقليمية, ويؤذن بقانون متوازن يسمح بتمثيل المجتمع ويحافظ على الهوية السياسية للدولة.
ويستطيع المجلس أن يردّ أسوأ قانونين مؤقتين سيعرضان عليه ( قانون الضمان وقانون الضريبة) ويعيد ترتيب قانون الموازنة العامة لمصلحة المحافظات, وينهي الجدل حول الهوية الوطنية بتعديل جذري لقانون الجنسية من خلال تضمينه تعليمات فك الارتباط لسنة 88 الخ.
وبإمكان المجلس أن يفعل كل ذلك - إذا امتلكت أغلبيته الإرادة السياسية - وهو آمن من حل سوف يعصف بالحكومة. وحل المجلس ليس ممكنا اليوم قبل إقرار قانون انتخابات عامة واتخاذ الإجراءات اللازمة لعقدها. وبعكس ذلك, فليس سوى الفراغ.
فهل يفرّط النواب بكل هذه المكتسبات المعنوية والسياسية, ويخضعون للتوجهات الحكومية بالعودة عن التعديلات الدستورية التي حصنت مجلسهم ومنحتهم القدرة على المشاركة الفعلية في القرار الوطني?
اللحظة السياسية المستجدة بعد التعديلات و التغيير الحكومي, منحت النواب قوة استثنائية سيكون تفريطهم بها انتحارا. بالمقابل, أمام المجلس الآن ثلاث مهمات هي: (1) الصمود في موقف رفض العودة عن التعديلات الدستورية, (2) التواصل مع القوى السياسية والشعبية من أجل التوصل إلى قانون انتخابات ديمقراطي ووطني, (3) التحالف مع قوى الحراك الشعبي في المحافظات, بما يُحدث التوازن مع حكومة عون الخصاونة المدعومة من الإخوان المسلمين.