* الملاح الذي اكتشف البحر .. وقمر أردني سيبقى يدور بإرثه وتاريخه حول الوطن
* سارية مرفوعة وروح مسكونة بهموم الأمة وانتماء وطني وقومي بالفطرة فعلى روحه السلام.
ميعاد خاطر - غادرنا توفيق قعوار وارتقت روحه الى السماوات العلا واستقر الجسد الذي حملت تلك الروح الطيبة الى جوار والده "امين كامل قعوار" الذي حمل تاريخ ومجد اكتشاف الفوسفات ونذر حياته في التعدين، فهذه العائلة من الأجداد إلى الاباء الى الأبناء والى الأجيال القادمة ستبقى ولاّدة لأعلام وشخصيات برزوا في هذا الوطن وكانوا بناة اقتصاده، حاملينه معهم وهذا ديدنهم عنوان المسيرة الصاعدة الحاضرة التي ما حملت الا الإنجاز والعطاء والبناء والتفاؤل وزرع البذور الطيبة والانتماء للأرض والوطن والملك .
مات توفيق قعوار فقيد الأردن، وتلك سنّة الله في الكون، إلّا انه ما زال حاضراً حضور الشرفاء والقابضين على أهدافهم التي ما زالت قائمة .. فأبناؤه الآن يحملون ارثه ومسيرته "نفسه" و"موقفه" و"غيرته" على المصلحة العامة وكل المعاني الجليلة التي تحلّى بها الفقيد، وستؤتي أكلها بإذن الله في نفوس هؤلاء النشء من عائلته الذين احبهم توفيق فاحبوه.
رحلة توفيق قعوار طويلة وغنية ومسيرته ممتدة وكبيرة، فقد رحل راضيا عن مسيرته وسيرته، ترك عائلة طيبة شهد تفوقها وسيرها وخطوات نجاحها فاطمأن، فلم تغادره عائلته أبداً وبقوا يضعونه في عيونهم، فالفقيد ذكرى باقية متجذرة في عقول كل الأسماء التي كان يذكرها، باقية في تاريخ الوطن الذي عوضه الله من بعده بالمخلصين من امثاله ونسله.
اصدقاؤه كثر ومن يعرفه أكثر وأكثر ففي حضورهم بيت العزاء انصفوه وسجلوا له سيره حياة حافلة بالإنجازات، فالذين عرفوه احبوه والذين عملوا معه اخلصوا له، والذين عرفوه دون أن يلتقوه أكرموه بحضورهم ومصافحة أبنائه وأقاربه .. كان رحمه الله سنداً قويا ويداً مرشدة لأبنائه الذين وقفوا مستقبلين المعزين وقفة فخر بأبيهم العزيز.. فكانوا نعم من يحمل اسم والدهم وجدهم من قبله.
كان الفقيد يرسم دوما ملامح الشخصية الأردنية بعفوية واتقان، لديه كاريزما محمودة كان يغبطه عليها أصدقاؤه.. هو من بين الشخصيات الأهم التي افتقدها الأردنيون، فنبأ الوفاة المفجع لف المدن الأردنية التي حفظ طرقها عن ظهر قلب، وسار في خطوط الملاحة البحرية التي أمدها بإدارته وخبرته ومعرفته فحزنت وتألمت ولبست ثوب السواد العميق.
كان رحمه الله صاحب شخصية هادئة يزرع الثقة فيمن حوله، وكان يزين المجالس بحضوره، فالهيبة والرزانة والقدر وفائض الود لباسه، كان مديرا فذاً ومتابعاً وفياً لإمبراطورية الملاحة الذي بناها ورعاها ، كان رهانه على العقبة صائبا عندما سجل اسمه كأول الداعمين والمطورين لها ليجعل خط التصدير عبر الشحن مسارا وخيارا واضحا للمستثمرين فأصبح بفكره وأرثه ومهنيته منارة دالة للتفوق والتطور والانجاز..
فالفقيد توفيق قعوار عند رفقائه ومن عاشروه أردني الوجه، عربي القلب والوجدان قومي النهج والفكر، كان رجلا صاحب قرار سديد ساهم في كسر الحصار الاقتصادي المفروض على العراق، وكان له مواقف شجاعة في أحيان كثيرة ومواقف متعددة داخلية وخارجية سياسية واقتصادية واجتماعية.
كان الوطن هاجسه الاول وقيادته الهاشمية عنوان فخاره ومصدر اعتزازه، كان مسكونا بهموم امته ايضا.. واذا كان الأردن والاردنيون يعيشون في فكر الفقيد ووجدانه، فان العمل العربي المشترك كان هدفا يسعى إليه من خلال عمله واداءه وقراره على امتداد سنوات العطاء الطويلة من عمره.
وكما كانت سيرته وحياته الاقتصادية وفكره بالنسبة له جزءاً متأصلا من مزاجه الوجداني والسلوكي، كان انتماؤه القومي اقرب الى الفطرة منه الى الشعار المجرد.. فكانت العلاقة بين الانتماء الوطني والانتماء القومي عنده وفي وعيه علاقة لا يشوبها أي شعور بالمقارنة، فأحدهما ينطوي في الاخر ولا يزاحمه.
ادعو الى تنظيم حفل تابين يليق بتاريخه واسمه وحضوره واعتقد ان الحفل التأبيني يقرب صورة الراحل الى اذهان الجيل القادم، ليس من خلال روايات الكتب التي تقدم صورة جاهزة وجامدة، وإنما من خلال شهادات حية لمن عايشوه وخبروه وتعاملوا معه وسجلوا نقاط التقاء وذكريات، والذين ان تحدثوا من القلب سيعيدون النبض الإنساني الى الصورة التي يتحدثون عنها .
اجزم ان توفيق قعوار فقيد الاردن الكبير لن يتحول الى فعل ماض ولن يصبح في عداد الغائبين ، بل سيظل فاعلا مرفوعا على سارية اعماله ومواقفه، وسيبقى ماثلا يمارس حضوره وفكره وموجوديته الحقيقية من خلال ابنائه البارين الذين حملوا اسمه بكل الحب والهيبة والمفخرة والعزة والانفة.. وكانوا خير الأبناء وخير العضد.
أبا ردين سنذكرك بالخير دائما .. سنبقى الاوفياء لما غرسته في أجيال مضت، وانتم يا عائلته ومحبيه لنا فيكم كل الخير ونتوسم منكم السير على خطى الراحل و الفقيد ونامل منكم لموروثه الكبير ان يتعاظم ويبقى يربط خيوطه الحب والوفاء والالتزام.
فالسلام عليك يا أبا ردين مع انبثاق كل فجر في الناصرة ،ومع طول شمس عمان التي سرت في نبضك.. سلام عليك مع هبوط الليل على البحار وخطوط الملاحة والشحن التي عشقتها.. سلام عليك الى يوم الدين