كان جاري في مقعد الإعدادية فتى جميل اسمه فارس، متيّم بمغنٍّ لبنانيّ تحبه النساء، ويتساقطن على الأرض التي يمشي عليها. كان فارس يذهب إلى حفلات هذا المغنّي في فنادق عمّان الغربية، ويظل لشهر أو حتى موعد الحفلة التالية، يصف لي لمعان النجم، وحركاته التي يمكن أن تزيح القلب إلى اليمين. ضجر الزملاء من افتنان فارس بهذا المغني وغيره، حتى لم يعد أحد سواي يحتمل هوسه، إلى أن سألني مرّة وهو جاد تماماً: هل يذهب المطربون إلى الحمّام.. مثلنا؟!
نعم يا صديقي.. ولديهم غازات محرجة يفشلون أحياناً في كتمها!
ويحبّون البامية بزيت الزيتون، يرمون من أجلها الشوكة، ويغمّسونها بالخبز البلديّ، بل إنّ واحداً منهم كان أحد أسباب موته ساندويش كبدة من عربة جائلة. يأكلون أيضاً بنهم كأن أحداً يطاردهم، ولا يتورّعون عن التقاط آخر لقمة في الصحن. يبتلعون ريقهم حين تأتي سيرة اللحم الضأن، وليس صحيحاً أن مشروباتهم كلها للروح، فمنهم من لا يُسكره سوى مزيج الشاي بالحليب، أو باللبن وفق "الرواية” المصرية. إذن هم يأكلون، وقد يتعرّضون لتلبّك معويّ، وهذا يتطلّب بالطبع الذهاب إلى الحمّام.
نعم يا صديقي.. ولديهم أيضاً أوساخ عنيدة يتخلصون منها خارج الحمّام!
.. فالشاعر اللامع يضرب زوجته، والروائيُّ الشهير لديه نزاع قضائي على إرث، وليس مؤكداً أنه الطرف المغبون في القضية، وهناك مغنٍّ كبير طلّق زوجته وابنة عمه، عندما نال جنسية أجنبية حتى لا تشاركه ثروته، وموسيقار اتهم في جريمة قتل بآلة موسيقية حادة. وفي سجلهم، هؤلاء الذين لهم شهرة الأهرامات والفرات، قضايا إثبات نسب، ونفقة متأخرة، وتجاوز الإشارة الحمراء، وحيازة بقصد التعاطي في غير الأحوال المصرّح بها، وإيجار سكني مكسور.
نعم يا صديقي.. لديهم أحزان ليليّة شائعة حملها البحر من أكادير إلى صيدا.
يدمنون على الحبوب التي تقدّم النوم، وتؤخر الشباب، والحبوب التي تذهب بهم من شُبرا إلى نارا بالمراكب النيلية. يتألمون مثلك يا صديقي بأوجاع مخجلة أخبرتني عنها، ولهم عيوب خلقية تستعصي على التجميل، وقلق من الزهايمر، والسقوط مع العكاز من على كرسي خشبي في دار المسنين. وهؤلاء الذين لهم شهرة الأهرامات والفرات، يموتون بطرق متفرّدة، فالممثل الكوميدي مات عابساً، والممثل التراجيدي التزم بمميتته السينمائية، وهناك من مات بجرعة زائدة، أو بسقوط ملغز من الطابق السادس، ومن نال الشهادة مبطوناً.. بعدما انتهت الحرب.
نعم يا صديقي.. لديهم كوابيس ليس أهونها أن يُعتم المسرح، وينشغل الجمهور بإضاءة الهاتف.
أعتذر يا صديقي أني تأخرت في الإجابة عن سؤالك ربع قرن، فقد ذهبتُ في رحلة نيلية انتهت بي على شاطئ الكاريبي، وكانت لي جلسة سرية في المحكمة لنفي نسب، ثم موعد في عيادة للتخلص من الحبوب التي تسرّع لقائي بجمال عبد الناصر. أجريتُ عملية لاستئصال الزائدة الدودية، ودفعت ضرائب متأخرة بعدما استنفدتُ كل حيل التهرُّب، وأصبتُ بأحزان ليلية شائعة وصلتني من صيدا، واضطرّتني للذهاب إلى الحمّام. نعم يا صديقي.. أنا مثل المشاهير أذهب إلى الحمّام!