تقف الحركة الإسلامية ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي على مفترق طرق، وعليها الاختيار سريعاً الطريق الصحيحة التي يجب أن يسلكوها، فرئيس الوزراء المكلف عون الخصاونة بدا منفتحاً على أطياف (الرافضة) بتنوعها الحزبي أو غير الحزبي، واستطاع من دون ادعاءات كبرى أو وهمية من إيجاد نقاط تقاطع حقيقية مع ألوان الطيف السياسي الأردني، حتى ظهر كرئيس وزراء توافقي بصورة لم يحظَ بها أحد ممن سبقوه لعقد مضى.
قد يبدو لقيادات الإسلاميين أن من الضروري خلال المرحلة الحالية البقاء على مسافة آمنة من الحكومة من دون أن تخاصمها، بحيث لا يشترك الإسلاميون في حكومة الخصاونة مع إعطائه الدعم المرحلي، على أن لا يكون هذا الدعم نهائياً، بمعنى أن للإسلاميين الحق في تقدير الموقف في كل مرحلة ولها أن تسحب الدعم في أية لحظة تراها سياسياً، وقد يبدو هذا القرار هو القرار الأصوب لقيادات الحركة كونه يتيح للإسلاميين التحرك بحرية أكبر دون التزامات حقيقية يمكن أن تؤخذ عليهم في المرحلة القادمة، ولكن هذا القرار إذا ما اتخذته الحركة سيكون هو القرار الخاطئ بعينه، ولهذا الحكم على القرار أسباب عديدة.
إن اتخاذ الإسلاميين القرار بعدم المشاركة في حكومة عون الخصاونة قد تتم قراءته بأكثر من اتجاه، إلا أن جميع القراءات تصب في خانة القراءات السلبية وليس في الخانة الإيجابية، فقد يرى المراقبون أن مثل هذا القرار يعني أن الإسلاميين ليسوا جاهزين فعلاً ليتحملوا مسؤولية وجودهم في السلطة التنفيذية، وهو رسالة مناقضة للرسالة التي تحاول الحركة إرسالها منذ فترة وعنوانها جاهزية الحركة الإسلامية لتحمل مسؤوليات السلطة التنفيذية، وذلك عبر إصرارها أن تكون الحكومة منتخبة أو تشكل من قبل الأغلبية البرلمانية.
القراءة الأخرى لمثل هذا الموقف هي أن الإسلاميين لا يرضون المشاركة في حكومة لا يشكلون فيها الأغلبية أو أن تكون برئاستهم، وهو ما يعني أن مفهوم المشاركة لا المغالبة ليس أكثر من شعار تردده الأفواه ولم يتحول إلى قناعة راسخة لدى أصحاب القرار في الحركة الإسلامية، وبالتالي فالشعار الحقيقي هو (المغالبة لا المشاركة) أو كما صرح المهندس عزام الهنيدي عام 2006 بعد انتصار حركة حماس في الانتخابات التشريعية في السلطة الفلسطينية «إن الحركة الإسلامية جاهزة للحكم».
أما القراءة الثالثة لمثل هذا القرار أن الحركة غير مقتنعة بالمسار الإصلاحي الذي جاء الرئيس عون الخصاونة كعنوان بارز له، وأن طروحات الرئيس في هذا المجال لم تقنع الحركة الإسلامية إن جاد بما فيه الكفاية أو أنه قادر على تحقيق ما يقوله، وفي هذه الحالة تكون الحركة الإسلامية قد وضعت نفسها في مواجهة الرئيس والحكومة منذ اللحظة الأولى لأداء القسم.
المبررات البراغماتية التي قد تبرر للحركة الإسلامية مثل هذا القرار تتعارض بشدة مع المبررات الوطنية التي تدعوهم للمشاركة، حيث لا بد من جميع القوى أن تدرك أننا جميعاً شركاء في صناعة هذه اللحظة التاريخية، وأن أي تقاعس من أية قوة أو حراك، مهما كان المبرر، يعني بما لا يدع مجالاً للشك بأن المراد هو إفشال هذه المرحلة وإدخال الأردن في نفق ضيق، على أمل أن تحصل هذه القوة أو الحراك على مصالح ومكاسب ذاتية وليست وطنية.
لن يغفر الأردنيون ولا التاريخ للحركة الإسلامية تقاعسها عن الدخول في تشكيل حكومة الرئيس عون الخصاونة، وستفقد الحركة الإسلامية الكثير من رصيدها الشعبي إن أرادت مقاربة هذه المرحلة الحادة عن بعد، لأن رفضها خوض التجربة من الداخل سيفقدها القدرة على المناورة مستقبلاً، مع يقيني أن الحكماء في الحركة سيقرأون اللحظة السياسية بدقة وسيأخذون القرار السليم.