لعلنا لا نكون مخطئين إذا ما قلنا إن غالبية الحراكات الشعبية التي مرت بدول المنطقة لم تخل من العنف، ولم تتطهر لحظة واحدة من المؤثرات الايديولوجية (اليسار والإسلاميين)، ومن العصبيات التقليدية كالطائفية، والعرقية والمناطقية. أي أن حكاية ثورة الشباب (غير المسيس) على الأنظمة الاستبدادية لاستعادة الحياة السياسية والاجتماعية هي توصيف غير دقيق, وهو ما يتطلب ايضا قراءة عميقة في هذه الحراكات وبنيتها الرئيسة بعين الواقع لا بعين الرغائبية سواء الراضية او المتوجسة واهم مفصل في القراءة هو القراءة الامنية السياسية بالتزامن والتشابك وليس كلا على حدة.
من هنا كانت دلالات التغيير الاردني على الحكومة وقيادة جهاز المخابرات احد ابرز اركان الحماية السياسية الامنية, دلالة قارئة للحالة العربية وانعكاساتها على المشهد الاردني بعين حصيفة ودقيقة ولمزيد من التوكيد والتأكيد آثر الملك ان تكون رسالته لمدير المخابرات الجنرال الجديد القديم مليئة بالدلالات والاشارت التي تكفل حماية الاصلاح وحماية الحراكات الشعبية بعين الامن اليقظ المكلف بحماية الاصلاح واطلاق طاقاته الايجابية الكامنة مكان الطاقة السلبية المعطلة.
وليس تغييرا يهدف الى التضييق على الحراكات الايجابية والمتدفقة حبا ورغبة لدخول الاردن بوابة الاصلاح الحقيقي المحمي بالبيئة السياسية والتشريعية الضامنة للاصلاح كما في التعديلات الدستورية المنجزة او تلك المنتظرة كما المح الرئيس المكلف وكما قالت الرسالة الملكية لمديرالمخابرات اللواء فيصل الشوبكي «ان قيادتك لدائرة المخابرات العامة, تأتي في سياق مساعينا الحثيثة لترجمة رؤيتنا الاصلاحية الشاملة, ما يتطلب جهدك في توجيه هذا الجهاز الكفؤ نحو دعم مسيرة الإصلاح في الأردن وإضافة الادوات والاساليب وتطوير التدريب والاعداد, الذي يمّكن ابناءنا ونشامى هذا الجهاز من الذود عن الوطن بمهنية واحتراف, واحترام منهجي ومؤسسي للأطر القانونية والتشريعية ومبادئ حقوق الانسان والحريات الفردية».
ان الحديث الملكي يختصر المسافة الاصلاحية بشقيها السياسي والامني بحيث يتحرك الجهاز في مجال حيوي يهدف حماية المنجز والبناء عليه بصورة سياسية مستقلة تماما ولكنها محمية بالذراع الامنية التي بدونها ستنفلت الحرية الى فوضى والحراك الى خراب تنعق فيه غربان ادمنت الخراب لا اصوات وطنية تشدو للحرية المصانة والديمقراطية البنائية والحاملة امال وتطلعات الناس جميعا.
قد يجادل دعاة الربيع العربي، والمستبشرون به، بأن ما نشهده من عنف وخروج عن السياق الوطني والوجداني ليس إلا نتيجة حتمية لسياسات سابقة، وأن العملية الانتقالية قد تستغرق وقتا قد يطول أو يقصر حتى تتمكن الحراكات من استعادة أوضاعها الطبيعية، ولكن ما لا يستطيع أحد تقديره هو المدة الزمنية اللازمة لذلك، فضلا عن ضمان الانتقال إلى وضع أفضل من الماضي, ولذا كان لا بد من الحماية الامنية السياسية لحراكات الاصلاح التي افرزتها العين الملكية ان كان في رسالة التكليف الحكومية او رسالة المنهجية الى مدير المخابرات العامة.
الرسالة المنهجية او الرسالة الامنية تأتي مكملة للرسالة السياسية وحامية لها, بحيث يتحرك السياسي في فضاء محمي امنيا لان الامان هو اول الايلاف كما قال الله في كتابه العزيز مخاطبا قريش وهو ضمانة الامن الحياتي والامن السياسي الذي تلخص جليا في رسالتي الملك واللتين تحملان رؤية واضحة وتقرآن معا.
دلائل الرسالة الملكية لفرسان الحق
أخبار البلد -