بدأ رئيس الوزراء المكلف د. عون الخصاونة يومه الأول في مهمته الصعبة بإرسال مجموعة من الرسائل السياسية المطمئنة عبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية. الخصاونة لم يقتصر في تصريحاته على صحيفة دون الأخرى وامتدت رسائله إلى الإذاعات المحلية وبعض المواقع الإلكترونية والفضائيات العربية، ولكن أهم تصريحاته كانت لوكالة الأنباء البريطانية «بي بي سي».
اختار الخصاونة مفرداته براحة أكثر في لقائه مع «بي بي سي» وبدا خطابه وكأنه يستجيب بشكل رئيسي للكثير من المطالب الشعبية والأولويات الإصلاحية التي تأخر تنفيذها في الفترة القادمة او حتى تم اعتبارها خارجة عن سياق الإصلاح الحالي. حدد الرئيس المكلف مهمته الرئيسية في استعادة الثقة بين الدولة والشعب، مؤكدا بأن الإصلاح الأردني يجب أن يكون منهجيا وبغض النظر عن وجود ربيع عربي من عدمه لأن الدول المتحضرة تبنى على النزاهة والعدل والإنصاف.
رسائل الخصاونة كانت موجهة ايضا وبشكل مباشر إلى تيارات المعارضة، داعيا اياها للمشاركة في الحكومة وفاتحا الباب أمام جميع القوى السياسية في فترة المشاورات لتشكيل الحكومة، ومن شأن هذه التوجهات أن تضفي مناخا ملائما على حوار بدون شروط مسبقة وبدون إرث ثقيل من عدم الثقة وحتى في حال امتنعت القوى المعارضة عن المشاركة في هذه الحكومة فإنها تستطيع أن تعطي الرئيس وفريقه الفرصة الكافية لإثبات وجود النية الحقيقية للإصلاحات الجذرية وعدم ممارسة ضغوط فورية قد تضع أمام الرئيس أزمات لا مبرر لها في بداية الطريق.
وفي تصريح ذي دلالات استراتيجية كبيرة يقول الخصاونة لـ»بي بي سي»: «في السنوات الماضية، كانت هنالك تجاوزات يجب أن تتوقف، وعلى أية حال، فأنا أؤكِّد أن الولاية العامة ستكون للحكومة».
وفي ما يتعلق بالمعادلة الصعبة والشائكة في تسريع الإصلاح مقابل الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة ينتقي رئيس الوزراء كلماته بعناية قائلا: «يجب أن يكون (الأمر) حلاًّ وسطاً بين السرعة الزائدة وبين الجودة، فالإنسان لايستطيع أن يضحِّي بالجودة في التشريع والعمل والإصلاح لصالح السرعة فقط. ولا أن يؤجِّل الأمور إلى ما لا نهاية بحجة عدم الإسراع».
كل ما سبق قابل للتحقيق ولكن التحدي الأصعب والأول هو في كيفية انتقاء الطاقم الوزاري حيث يؤكد الخصاونة «أن المعيار الأساسي هو النزاهة، فهي فوق كل شيء، وأن يكون أعضاء الفريق الوزاري من الأشخاص الذين ينالون احترام الشعب والمواطنين في مناطقهم». وفي الواقع هذا هو الامتحان الأول للرئيس فإذا قبل ببعض الضغوطات لإعادة أو إدخال وزراء اصحاب قرارات وسلوكيات وأنماط إدارية بعيدة عن النزاهة فانه سيكون قد تعثر بالعائق الأول وسحب أول دفعه من رصيد مصداقيته. الحرص كل الحرص يجب أن يكون سائدا في انتقاء الوزراء، وحتى الكفاءة العالية لا تبرر غياب النزاهة في مناصب الوزراء لأن الدرس الأساسي من كافة المسيرات الغاضبة في الأشهر التسعة الماضية هي رفض وجود شخصيات عامة تمسها شبهات الفساد أو ذات تجربة سيئة في الإدارة.
وأخيرا، يقدم الخصاونة تعريفه المتطور لهيبة الدولة قائلا «أقصد بالهيبة القوة والضرب بيد من حديد، أو ما إلى ذلك. الهيبة هي التصرُّف الحكيم والفاعل مع الناس، حتى المخالفين والمعارضين، من منطلق أننا جميعا جزء من كل». وبالنسبة لكل المواطنين الأردنيين الذين ينظرون بتفاؤل إلى المرحلة الجديدة ستكون النتائج مهمة جدا، فالرئيس يملك رصيدا عاليا ومن المهم أن لا يضطر الى استنزافه، والامتحان الأول هو اختيار مجلس الوزراء.