في بحر كل اسبوع بين "الجمعة والجمعة", ومنذ ما يزيد على 7 أشهر يواصل النظام السوري حملاته الأمنية المتوحشة في حربه المفتوحة على الشعب, ومع نهاية كل حملة يتوهم قادة النظام وانصاره بأن السوريين على وشك رفع الرايات البيضاء على اسطح منازلهم, بعد ان استبيحت بيوتهم ودماؤهم وحتى اطفالهم ونساؤهم.
غير ان هذا الشعب العظيم يثبت في كل جمعة ان الجمعة المقبلة آتية مهما جهز النظام للايام التالية من حمامات دم. فالصمود المذهل للجماهير السورية يكتب فصلاً مختلفاً من فصول الربيع العربي من اجل الحرية والكرامة. انها ثورة فريدة, يقوم بها شعب اعزل بمواجهة جيش النظام, جيش خيب آمال كل من يتابع اعماله وفظائعه. وهو ما يطرح السؤال بعد الآخر عن طبيعة الجيوش التي يصنعها الديكتاتور. هل هي من اجل حماية الحدود ام من اجل حماية كرسي الحكم, الذي يتوهم انه صولجان "السلطان" باق بأيدي آبائه وابنائه الى الأبد.
وفيما تُحدث حملات القتل اليومية ضد الشعب ردود فعل آباء وامهات ترتفع اصواتهم مطالبين "بحماية دولية" وهم يشاهدون شبابهم ورجالهم ونساءهم واطفالهم يسقطون, نجد أعلام النظام وأبواقه يسارعون الى استخدام هذه الصرخات الانسانية, من اجل شن حملة تشويه مضادة للثورة. مثل هذه الحملات اصبحت مألوفة لكنها لم تعد تجدي, لان الجماهير السورية ترد على القمع الدامي في كل جمعة, بروح متفردة من البطولة المصممة على نزع الانتصار من فم "الغول الأمني" ولم تعد جميع حملات التذاكي والتضليل الاعلامي قادرة على حجب جرائمه عن انظار العالم باسره.
قبل يومين دعت الموفضة السامية لحقوق الانسان في الامم المتحدة نافي بيلاي, المجتمع الدولي الى حماية الشعب السوري بعد ان تجاوز عدد الضحايا الـ 3000 شهيد. ومن جانب اخر كُشف في بريطانيا والولايات المتحدة عن تهديدات ضد المعارضين السوريين المقيمين في الخارج من قبل سفارات النظام. بعضهم تحدث عبر الفضائيات والصحف عن اقدام السلطات في دمشق على سجن عائلاتهم واقاربهم انتقاماً منهم. وهذا كله يعيد الى الاذهان ما كُتب عن اساليب القمع التي مارسها النظام خلال القعود الاخيرة, فسياسته القمعية ضد عائلات المعارضين معمول بها منذ عهد بعيد, وهناك قصص تروى عن "مهاجع العائلات" داخل السجون والمعتقلات حيث تؤخذ رهائن للضغط على المعارضين وتقييد نشاطهم!
لم يعد مقبولاً لا من الناحية الانسانية, ولا في قوانين ومواثيق حقوق الانسان في الامم المتحدة وخارجها, ان يواصل العالم التفرج على نظام يواصل بعناد حملات قتل شعبه, فيما يُدفع السوريون الى خيار واحد لا ثاني له; إما الاستسلام او مواجهة حرب مفتوحة بدأت اليوم بانشقاقات ومعارك داخل الجيش نفسه, وقد تمتد غداً الى ما يشبه الحالة الليبية. ان مسؤولية الاندفاع بهذا الاتجاه الخطير بما في ذلك تحفيز المجتمع الدولي الى التدخل تقع بالكامل على النظام الذي يتحدث عن الاصلاح فيما يداه توغلان بدم شعبه الاعزل.
يستحق تحرك مجلس التعاون الخليجي, الذي طالب بعقد جلسة عاجلة للجامعة العربية لبحث الوضع في سورية ان يقابل بالمسؤولية القومية من قبل جميع العواصم العربية من اجل بعث رسائل واضحة الى النظام كي يتوقف عن اساليبه الدموية لتجنيب سورية والمنطقة مغبة الانزلاق نحو تداعيات تجعل مسألة التدويل والتدخل الاجنبي قضية انسانية واخلاقية.